سعد الدين الهلالى

تبييت النية فى الصيام

الثلاثاء، 01 يوليو 2014 11:11 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
تختص العبادات المحضة كالصلاة والصيام بأن النية ركن أو شرط فيها؛ لقوله تعالى: «وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين» (البينة: 5)، ولحديث الصحيحين عن عمر بن الخطاب أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: «الأعمال بالنية ولكل امرئ ما نوى»، وفى لفظ للبخارى: «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى». والنية محلها القلب، ولا يشترط التلفظ بها. والنطق بها سنة عند الجمهور إلا أن يفضى إلى وسوسة.

والصوم يتحقق بالإمساك عن المفطرات مع النية، ولكن هل يشترط أن تكون النية قبل الفجر، وهو ما يعرف بالتبييت، أم يجوز عقد النية فى الصباح بعد الفجر طالما لم يأت بمفطر من الفجر؟ لقد اختلف الفقهاء فى ذلك على ثلاثة مذاهب فى الجملة.

المذهب الأول: يرى أن تبييت النية شرط لصحة الصيام مطلقاً، سواء كان الصوم واجباً أو مستحباً. وهو مذهب المالكية والظاهرية، واختاره الصنعانى. وحجتهم: «1» الأحاديث الآمرة بتبييت النية، ومنها ما أخرجه أحمد وأصحاب السنن والدارقطنى بسند فيه مقال، وصححه ابن خزيمة وابن حبان، عن حفصة أن النبى - صلى الله عليه وسلم - قال: «من لم يجمع الصيام قبل الفجر فلا صيام له»، وفى رواية: «من لم يبيت الصيام قبل الفجر فلا صيام له»، وفى رواية للدارقطنى: «لا صيام لمن لم يفرضه من الليل». كما أخرجه الترمذى وصححه موقوفاً على ابن عمر باللفظ الأول. قالوا: فهذا نبى الله - صلى الله عليه وسلم - نفى الصيام الشرعى عن الذى لم يبيت النية من الليل، والنفى هنا نفى صحة لأنه المجاز الأقرب بعد استبعاد نفى الحقيقة وهى وجود الصوم لوقوعه. «2» أن حقيقة الصوم تتمثل فى الإمساك عن الأكل والشرب وتعمد القىء وعن الجماع، فكل من أمسك عن هذه الوجوه لو أجزأه الصوم بلا نية للصوم لكان فى كل وقت صائماً، وهذا ما لا يقوله أحد.

المذهب الثانى: يرى التفصيل فى تبييت النية بين صوم الفريضة فهذا يجب فيه التبييت، وبين صوم التطوع فلا يجب فيه التبييت. وإلى هذا ذهب الشافعية والحنابلة. وحجتهم: حمل حديث حفصة الذى أخرجه أحمد وأصحاب السنن أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: «من لم يجمع الصيام قبل الفجر فلا صيام له» على صوم الفريضة. وأما صوم النافلة فقد صح عن النبى صلى الله عليه وسلم جوازه دون تبييت، ومن ذلك ما أخرجه مسلم عن عائشة قالت: دخل علىّ النبى - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم فقال: «هل عندكم شىء». قلنا: لا. قال: «فإنى إذن صائم». ثم أتانا يوماً آخر، فقلنا: يا رسول الله أهدى لنا حيس «طعام من تمر وسمن ولبن»، فقال صلى الله عليه وسلم: «أرينيه فلقد أصبحت صائماً»، فأكل. وفى رواية أخرى لمسلم، قال: «هاتيه». قالت: فجئت به فأكل، ثم قال: «قد كنت أصبحت صائماً».

قالوا: إن قوله صلى الله عليه وسلم: «فإنى إذن صائم» إنشاء للصيام، فقد كان مفطراً بدليل سؤاله عن الطعام: «هل عندكم شىء» وإنشاء الصيام فى الصباح دليل على عدم وجوب تبييت النية فى صيام النافلة. كما أخرج الشيخان - واللفظ للبخارى - عن الربيع بنت معوذ بن عفراء، قالت: أرسل النبى - صلى الله عليه وسلم - غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار التى حول المدينة: «من أصبح مفطراً فليتم بقية يومه، ومن أصبح صائماً فليصم». وأخرج الشيخان عن سلمة بن الأكوع قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً من أسلم يوم عاشوراء فأمره أن يؤذن فى الناس: «من كان لم يصم فليصم، ومن كان أكل فليتم صيامه إلى الليل». قالوا: فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أذن فى صيام عاشوراء دون تبييت للنية، وما كان ذلك إلا لأنه نافلة.
المذهب الثالث: يرى التفصيل بين الصيام المتعلق بالذمة الذى يقرر صاحبه انعقاده كالكفارات والنذر المطلق وقضاء رمضان وصيام النوافل المطلقة، فهذا يجب له التبييت. وبين الصيام المعين من الشرع سواء كان واجباً كصيام رمضان والنذر المعين، أو كان نافلة كصيام النوافل المعينة كيوم عرفة ويوم عاشوراء فإنها لا تتعلق بالذمة، وإنما يثبت ثوابها لليوم المعين الذى تم صيامه، فهذا يجوز بدون تبييت للنية. وإلى هذا ذهب الحنفية. وحجتهم: أن الصيام المتعلق بالذمة ليس له وقت مخصوص فوجب أن يكون تعيينه بتبييت النية. أما الصيام المعين من الشرع فلا يحتاج إلى تبييت اكتفاء بتعيين الشرع، ويؤيد هذا ما ذكره ابن مودود فى «الاختيار»، ورواه ابن حزم فى «المحلى» وصححه عن ابن عباس، أن الناس أصبحوا يوم الشك فقدم أعرابى وشهد برؤية الهلال، فقال النبى صلى الله عليه وسلم: «أتشهد أن لا إله إلا الله وأنى رسول الله»؟ فقال: نعم، فقال صلى الله عليه وسلم: «الله أكبر يكفى المسلمين أحدهم»، فصام وأمر بالصيام، وأمر منادياً فنادى: «ألا من أكل فلا يأكل بقية يومه، ومن لم يأكل فليصم».

وقد اختار المصريون مذهب المالكية ومن وافقهم من الظاهرية الذين قالوا بوجوب التبييت للنية فى كل صيام فرضاً أو نفلاً، وذلك من شدة تحيطهم فى عبادة الصوم، ومع صحة الأحاديث الواردة فى جواز صيام النافلة بدون تبييت إلا أن المصريين يشعرون بنقص هذا الصوم الذى لم يكن له تبييت، وما رواه مسلم عن عائشة - رضى الله عنها - فى سؤال النبى - صلى الله عليه وسلم - عن الطعام فإذا لم يجد قال: «إنى إذن صائم» لا يقطع بعدم تبييت نية الصيام، فربما يكون المعنى أن يهوِّن بهذا الإعلان عن صومه على نفس زوجته لعدم وجود الطعام عندها. وليس ترك المصريين لمذهب الجمهور الذين ذهبوا إلى جواز الصيام بدون تبييت فى النوافل - كما ذهب الشافعية والحنابلة - أو فى الصيام المعين شرعاً - كما ذهب الحنفية من باب الشك فى صحة فقه الجمهور، فقد عمل كثير من المصريين به، ولا أنه من باب تعارضه مع مصالحهم فهو الأيسر والأوسع لمن اختاره، ولكنهم اختاروا المذهب الأحوط؛ لقناعتهم بأن من تحمل مشقة الصوم طوال النهار لا يعييه أن يكمله بتبييت النية من الليل.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة