أكرم القصاص

«بريكس».. الطريق لعلاج اقتصاد عالمى مختل

السبت، 26 أغسطس 2023 10:00 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا يمكن قراءة وفهم تشكيل وتوسع «بريكس» BRICS، بعيدا عن تفاعلات وتحولات السياسة الدولية على مدار ثلاثة عقود أو أكثر، منذ سقوط سور برلين، ثم تفكك الكتلة الشرقية، وانهيار الاتحاد السوفيتى وشرق أوروبا، بدا هذا التفكك اختبارا وجوديا للأيديولوجيات، ودخول العالم فى سنوات القطبية الواحدة بما شهدته من تدخلات أمريكية، ثم إن الاتحاد الأوروبى ارتفع ليبقى كتلة اقتصادية تتقاطع مع اقتصادات «آسيا، واليابان، والصين، والهند، وجنوب شرق آسيا»، واحتفظ الاتحاد الأوروبى برباط تقليدى مع الولايات المتحدة.
 
بعد انهيار الاتحاد السوفيتى، سعت الولايات المتحدة لوراثة نفوذه مع نفوذها فى سعى لتكوين إمبراطورية، مارست التدخل والغزو والتفكيك سعيا لإعادة تشكيل عالم ما بعد الحرب الباردة، فيما سمى نهاية التاريخ، أو القرن الأمريكى، كما تمسكت بأدوات العالم القديم، الاقتصادية، مثل البنك والصندوق الدوليين، وهى الأدوات التى وقفت أمام طموحات الدول المستقلة فى الماضى، وبقيت واشنطن تمارس الدور ذاته، رغم ما شهده العالم من تطورات اقتصادية ظهرت خلالها دول تملك جزءا من اقتصاد العالم، وتداخلت التطورات الاقتصادية مع سعى لتحجيم المنافسة، وسعت روسيا لمواجهة التمدد الأمريكى، ووقف التدهور فى أبواب روسيا الخلفية.
 
فى الوقت ذاته تجاوزت الصين صدمة تفكك الاتحاد السوفيتى، وتوصلت إلى صيغة تبقى فيها على الأيديولوجيا الاشتراكية الماوية بصيغة اقتصادية تقوم على قوانين السوق والمنافسة .كل هذا التحولات فى شكل السلطة والنفوذ مع تطورات التكنولوجيا والإنتاج الكثيف، بدا فيها أن القواعد القديمة التى تتمسك بها الولايات المتحدة، والنظام العالمى المختل ما بعد الحرب الباردة، لم تعد تناسب طموحات وأوضاع الدول الناشئة، عجز هذا النظام العالمى عن كبح جماح الإرهاب والفوضى، بل بدأ يدعمه، ويتصالح معه، كما عجز عن وصول الصدام الأمريكى الروسى إلى حرب بلا بداية ولا نهاية.
 
لقد اجتاحت روسيا أوكرانيا عندما لوّح الغرب بضم الأخيرة الى حلف شمال الاطلنطى، وهو ما تعتبره روسيا إخلالا بخطوط حمراء تتعلق بأمن روسيا وفنائها الخلفى، لقد تم تفكيك حلف وارسو، وانضمت بعض دول أعضاء فيه إلى حلف الأطلسى، بينما كان الخلف نفسه جزءا من الحرب الباردة، روسيا اجتاحت أوكرانيا، الغرب أعاد التكتل بمواجهة روسيا، تم فرض عقوبات اقتصادية على روسيا، ردت موسكو بإجراءات مضادة، الصين قدمت مبادرة لوقف الحرب والعقوبات والعودة للتفاوض ولا تزال الحرب مستمرة بلا أفق.
هذه الحرب هى نتاج تفاعلات سبقتها، حيث رأت الدول ذات الاقتصادات الناشئة أنها تواجه نظاما اقتصاديا مختلًّا وظالمًا، مع تدخلات وسيطرة لأدوات مثل صندوق النقد والبنك الدوليين جعلتها امتدادا للنظام الاستعمارى، لم تسعَ لتغيير أو تعديل يناسب تطورات العالم، ثم إن الولايات المتحدة التى تراجعت فى وجودها الفعلى والاقتصادى، تصر على التصرف بنفس السلوك الإمبريالى ما بعد الحرب الباردة، من دون حساب للتحولات والتفاعلات الواقعية التى يفترض وضعها فى الاعتبار. 
 
صحيح أن النظام العالمى فى كل مراحله اتسم بالاختلال والظلم، لكنه وصل - خلال العقود الأخيرة - إلى ما يشبه الاستعمار القديم والإمبريالية، فى وقت لم تعد الصين اليوم هى نفسها قبل ثلاثة أو أربعة عقود، ولم تعد روسيا هى الرجل المريض الضائع فى سنوات التفكك، وظلت هناك مساع لإعادة بناء قواعد الاقتصاد بشكل أكثر توازنا وعدالة، أو ربما أقل ظلما، وملء الفراغ وهو شعور مشترك من دول مثل الصين وروسيا، والهند وجنوب أفريقيا ومصر، ترى ضرورة وجود نظام عالمى أكثر توازنا، وهنا بدأ تشكيل مجموعة «بريك» منذ عام 2006 بـ«البرازيل، وروسيا، والهند، والصين»، ثم جنوب أفريقيا 2010 لتشكيل تجمع «بريكس» BRICS، والتى تمثل دوله 42% من سكان العالم وما يقرب من ربع الناتج وثلث الاقتصاد.
 
انعقدت القمة الـ15، فى جنوب أفريقيا وسط طلبات من العديد من الدول للانضمام إلى «بريكس» ودعيت مصر والأرجنتين وإثيوبيا وإيران والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة لتصبح أعضاء كاملة العضوية فى «بريكس» سعيا لإيجاد نظام متوازن دعت إليه مصر وكل الدول الناشئة، التى دعت إلى توسيع التعاون الاقتصادى، والسعى لنظام اقتصادى أكثر عدالة وتوازنا، فيما يتعلق بالتنمية والديون، بما يتناسب مع طموحات الدول فى بناء تجاربها الاقتصادية المستقلة. 
 
ووفق مسؤولين بجنوب أفريقيا، هناك أكثر من 40 دولة أبدت رغبتها فى الانضمام إلى «بريكس»، منها 23 دولة قدمت طلبات، وفى كلمته دعا رئيس جنوب أفريقيا، سيريل رامافوزا «إلى استثمار مناخ التنافس الدولى لتعظيم مكاسب أفريقيا، من خلال بناء شراكة استثمارية بين دول القارة وبريكس، ويرى محللون أن توسيع «بريكس» مع بنك التنمية التابع له، يمكن أن يقدم بديلا منافسا وضاغطا، قد يجبر الأدوات العالمية لتغيير سلوكها، وأن التفكير فى عملة موحدة «بريكس» أو توسيع التبادل بالعملات المحلية من شأنه أن يقلل من سيطرة الدولار غير المنطقية على اقتصاد العالم، وإرساء نظام عالمى متعدد يقلل التحكم، ويتيح منافسة أكثر تناسبا مع تحولات الاقتصاد فى العالم. 
 
وفى عام 2014 قررت مجموعة دول «بريكس» خلال قمة البرازيل، إنشاء بنك تنمية سمى «بنك التنمية الجديد»، وصندوق احتياطى فى شنغهاى، وهو بنك تنمية متعدد الأطراف، تديره دول بريكس الخمس، بدأ وقتها بـ50 مليار دولار، مع طموح ليصل إلى 100 مليار دولار، ودوره منح قروض لتمويل مشاريع البِنَى الأساسية والصحة والتعليم، فى البلدان الأعضاء بالمجموعة، والبلدان الناشئة الأخرى، وقد انضمت إلى هذا البنك مؤخرا كل من «مصر، وأوروجواى، والإمارات العربية المتحدة، وبنجلاديش» بصفتها أعضاء جددا، ضمن توجه بصيغ تمويلية وتنموية تتناسب مع تغيرات وتحولات عالمية، تعالج اختلالات نظام عالمى شديد التوحش.
 
p.8









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة