أكرم القصاص

الإذاعة المصرية فى التسعين.. صندوق السحر والبهجة والفن والمعرفة

الجمعة، 02 يونيو 2023 10:00 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
الإذاعة المصرية لم تكن مجرد صندوق ساحر، لكنها كانت كل شىء بوابة الناس على العالم والمعرفة والفنون، هناك أجيال كانت تتلقى كل معارفها من الصندوق الساحر على مدى عقود، ظلت الأغلبية أمية، تعرف ما يقرأه لهم أبناء تعلموا فى الكتاب أو أسعدهم الحظ بالحصول على تعليم مدارس.
 
بدأت الإذاعة المصرية عامها التسعين، وأكملت فى 31 مايو عامها التاسع والثمانين، وهو التاريخ الذى تم فيه تمصير الإذاعة التى لم تتوقف عن البث منذ انطلقت بنداء «هنا القاهرة»، وهو نداء ظل يصافح آذان المستمعين عقودا طويلة، ظلت الإذاعة - بأصوات المذيعين والمقرئين والمثقفين والفنانين - هى المصدر الأهم للمعرفة والتسلية والفن والثقافة، لكل هؤلاء الذين لا يعرفون القراءة.
 
 انطلق بث الإذاعة يوم 31 مايو عام 1934، بالعبارة الشهيرة «هنا القاهرة»، بصوت المذيع أحمد سالم، وما زالت تتردد فى إذاعة البرنامج العام، عندما يقولها المذيعون والمذيعات قبل بداية البرامج وفى الفواصل بكل حماس.
 
ماسبيرو
 
وقبل هذا التاريخ، بدأت الإذاعات بشكل تجارى 1920 وفى 1925 ظهرت محطات إذاعة أهلية، فى شقق صغيرة فى الحى أو الشارع، بعدها ظهرت إذاعات أهلية تمول من الإعلانات مثل راديو فاروق، وراديو فؤاد، وراديو فوزية، وسابو، بعضها بالعربى والبعض باللغات الغربية للأجانب، وفى سنة 1926 صدر مرسوم ملكى لتنظيم بث الإذاعة، وفى 1932 افتتحت «محطة راديو الأمير فاروق»، لكن كانت المحطات يشغلها هواة، بعضها كان يذيع أى شىء حتى لو رسائل غرام، ويعلن عن بضائع أو يشتم ويعمل جرسة، ظلت فوضى، حتى تم افتتاح الإذاعة المصرية فى الخامسة والنصف يوم 31 مايو 1934، فى مبنى شهير فى 4 ش الشريفين حتى عام 1960 بعد افتتاح المبنى الحالى «ماسبيرو».
 
وبدأت بثها بآيات من الذكر الحكيم بصوت الشيخ محمد رفعت، ثم صوت الآنسة أم كلثوم، وغنى المطرب صالح عبدالحى، ثم محمد عبدالوهاب، وألقى حسين شوقى قصيدة لأمير الشعراء أحمد بك شوقى، وألقى على بك الجارم بصوته قصيدة تحية لملك البلاد فؤاد الأول، ثم فقرة للمونولوجست محمد عبدالقدوس، وفقرات موسيقية من مدحت عاصم وسامى الشوا، ومع أحمد سالم كان المذيع محمد فتحى الذى عرف بلقب «كروان الإذاعة».
 
كانت الإذاعة بداية ثورة نراها الآن بالألوان، العالم قبل الإذاعة يختلف عنه بعدها، تم تمصير الإذاعة 1947 وإلغاء عقد ماركونى، الآن ونحن أمام قنوات تليفزيونية ومسلسلات نتذكر أجدادنا حتى الثلاثينيات من القرن العشرين، قبل انتشار الكهرباء، يعيشون فى أضواء المسارج واللمبات الجاز، أو أضواء الكلوبات بعد ذلك والتى تعمل أيضا بالكيروسين، وكان عدد قليل من الأثرياء يمتلكون الصندوق الساحر المسمى الراديو أو الإذاعة، وتعمل بالبطاريات الجافة، وتبدو مثل كائن خرافى يصنع عالما خياليا يوحى بما وراء الأشياء العادية.
 
راديو
 
الراديو أول ما ظهر كان سعره غاليًا وغير متاح لكل الناس، كانت المقاهى الكبيرة فقط فيها الراديو والناس تتجمع حوله، كان يعمل بالبطاريات السائلة، وبعد ذلك الجافة.. وهناك إعلانات عن الراديو فى صحف الثلاثينيات بـ 25 جنيها، وهو ثمن فدان أرض وراتب الموظف 4 أو 6 جنيهات.. لهذا كان من يمتلك الراديو من الأغنياء، يتجمع عنده الناس لينصتوا لأصوات المقرئين، أو المغنين والمسلسلات والأحاديث، انتشر الراديو، شيئا فشيئا، قبلها كان مقتصرا على المقاهى، أو دوار الأثرياء، يتجمع حوله الأهل والأقارب ليستمعوا إلى صوت المقرئين، أو أغانى المطربين، أو المسلسلات والتمثيليات التى شكلت مع الوقت قيمة كبرى ينتظرها الناس كل يوم، ويتم فيها استعمال المؤثرات الصوتية، التى تثير الخيال وتصنع أجواء من الإثارة والخوف أو الضحك. 
 
وأصبح متوفرا فى الكثير من المنازل، قبلها كان الناس ينتظرون ابنا أو جارا يقرأ ويكتب، ليقرأ عليهم أخبار العالم، وقصص أو حكايات، لكن الراديو حل المشكلة، وأصبح جسرا بين الإذاعة والأميين، ينصتون ويعرفون ويستمعون إلى كل شىء، وحتى مع أجيال عرفت التعليم المنتظم منذ الأربعينيات، ومع الخمسينيات والستينيات والسبعينيات، من القرن العشرين كان الراديو هو رفيق الشوارع والبيوت والشبابيك، يسمعه الجميع فى كل وقت، القرآن فى الصباح، تتبعه البرامج والأغانى، والنصائح، والأخبار، يمكن أن يعرف الناس ما يجرى فى العالم، بل إن الصحف أصبحت أكثر انتشارا مع الإذاعة حيث تتم قراءتها وشرح ما بها.
 
الإذاعة ظلت رفيق خيال وصانعة البهجة والمعرفة لعقود، ثم إذاعات متتالية بجانب البرنامج العام الشرق الأوسط وصوت العرب والشعب ومثل أحمد سالم وكروان الإذاعة عرف الناس أصوات نجوم الإذاعة الأطفال يعرفون بابا شارو، وأبلة فضيلة، والكل يعرف صفية المهندس وحسن شمس وبعدهما حكمت الشربينى وإيناس جوهر ومحيى محمود وفهمى عمر ووجدى الحكيم وآمال فهمى وسناء منصور، و«كلمتين وبس» فؤاد المهندس، و«همسة عتاب» عبدالرحمن أبو زهرة، وعشرات النجوم، مع عالم خاص لقراء القرآن، والمبتهلين، الذين كانوا نجوما، من الشيخ محمد رفعت، إلى مصطفى إسماعيل وعبدالباسط عبدالصمد، والحصرى، والشعشاعى، والبنا، والنقشبندى، والفشنى، وطوبار، وغيرهم، مع أصوات أم كلثوم، وعبدالوهاب، وحليم وعشرات الممثلين بأصوات يتم التعرف عليها، ومع مسلسل الخامسة يقف الجميع منتظرين الحلقة التى لا تتجاوز ربع الساعة.
 
لقد علمت الإذاعة أجيالا من المصريين، ومنحتهم خيالا وتسلية ومعارف فى كل شىء، ويبقى هؤلاء الرواد، الذين أسسوها أو شاركوا فى تقديم كل ما يفيد للجمهور، نجوما وعلامات، وتبقى الإذاعة قبل عصر التليفزيون، والإنترنت، سحرا وخيالا ومعارف.  
 
p.8
 

 










مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة