"إنت لازم تطلع الأول.. فاهم"، "ليه ما تبقاش زى ابن خالتك ولا عمتك؟!"، "لو ما نجحتش السنة دى وجبت مجموع زى ابن جارنا هاحرمك من اللعب"، وغيرها من الجمل التى يرددها بعض الآباء بهدف تحفيز أبنائهم على المذاكرة أو الاجتهاد فى ممارسة لعبة رياضية حتى يحصد فيها الجوائز المختلفة، اعتقادا منهم بأن هذه الجمل تدفعهم للأمام والنجاح فى حياتهم، ولكن هل هذا ما يحدث حقا؟ أم أن مثل هذه الجمل تأتى بنتائج عكسية، وتجعل الطالب يتراجع للوراء ويفشل فى تحقيق أى نجاح يذكر، سواء فى دراسته أو ممارسته لبعض التمارين؟
هذا ما سوف نكتشفه فى السطور التالية، خاصة فى ظل امتحانات الثانوية العامة الجارية والتى يكثر خلالها مثل هذه العبارات فى كثير من البيوت المصرية.
شعور بالمرارة وفقدان الثقة بالنفس
نهال أحمد، البالغة من العمر 20 عامًا، وطالبة بالفرقة الرابعة بكلية الحقوق، تحدثت عن تجربتها مع ضغط عائلتها عليها طوال فترة دراستها، حيث قالت: "عائلتى كانت تضغط على طوال الوقت، خلال فترة دراستى، حتى أنجح وأتفوق وأصبح مثل أقرانى، لكن هذا جعلنى مع مرور الوقت أشعر بعدم الثقة بالنفس، لعدم قدرتى على تحقيق النجاح كما تمنت عائلتى لى، كما شعرت بالخذلان بسبب أننى لم أستطع تحقيق ما تمنته عائلتى لى، ولا أعتقد إننى سأشفى منه أبدا".
وتحدث عمر أحمد، الذى يعمل محاسبا بإحدى الشركات، عن تجربته مع تعرضه للضغط الشديد من أفراد أسرته، حتى يتفوق وينجح فى دراسته، حيث قال: "عائلتى كانت دائما تضغط على حتى أنجح فى دراستى، ولكن ضغطهم أثر بطريقة سلبية على نفسيتى وجعلنى أشعر بأننى عديم الفائدة، ولكن ظهر فى حياتى بعض المعلمين خلال فترة دراستى من الذين آمنوا بى وبقدراتى، ودفعونى لتحقيق النجاح والتفوق فى دراستى".
تأثير ضغط الأباء
فيما تحدثت شيماء محمد، بمرارة عن تعرضها للضغط من أسرتها لإصراراهم على نجاحها وتفوقها فى المدرسة، حيث قالت: "كانت عائلتى دائما تضعنى فى مقارنة مع الآخريات سواء من جيرانى أو زميلاتى بالمدرسة، ما جعلنى أفقد الثقة بنفسى مع مرور الوقت، ولكن إصرارى على تحقيق هدفى فى الحياة جعلنى لا أنصت لهم، ولكن ما زلت أعانى من تأثيرهم الذى ظهر على شخصيتى وطريقة تعاملى مع من حولى، ورغم إننى أبلغ من العمر الآن 30 عاما وأعمل مترجمة بإحدى الشركات، ما زلت أعانى من تأثيرهم السلبى على وأحاول أن أستعيد ثقتى بنفسى من جديد".
طالبة تشعر بالقلق
وجلس أحمد سعيد، الذى يعمل محاسبا بإحدى الشركات، يتذكر فترة طفولته بحلوها ومرها، ولكنه لم ينس أبدا ضغط عائلته عليه بضرورة الاجتهاد فى مذاكرته والتفوق فيها، حيث قال: "كانت عائلتى تضغط على طوال الوقت، بتردديهم عبارات فحواها أن ضرورة أن أنجح وذلك بدافع خوفهم على وعلى مستقبلى، ولكن هذا كان يشعرنى بالضغط طوال الوقت وإننى مراقب منهم، ولكن اعتدت على ذلك واستطعت أن أنجح فى دراستى وعملى".
أستاذ مساعد علم الاجتماع: المقارنات تحول الطفل لشخص منعزل يحمل الكراهية لغيره
تحدثت الدكتورة أسماء محمد نبيل احسان، أستاذ مساعد علم الاجتماع بكلية التربية بجامعة عين شمس، عن تأثير ضغط الأسرة على أطفالهم لتحقيق النجاح والتفوق سواء فى المذاكرة أو فى ممارسة لعبة رياضية، حيث قالت لـ"اليوم السابع": "يجب أن نسأل أنفسنا كآباء وأمهات فى بداية الأمر، هل هدفنا هو تحقيق أبنائنا أعلى الدرجات فى دراستهمفحسب؟ أم أن هدفنا هو بناء شخصية متكاملة لأبنائنا، حتى يستطيعون مواجهة الصعوبات فى حياتهم، وإثبات ذاتهم، وتحقيق التميز فى حياتهم عامة؟".
وأضافت: "الآباء ليسوا مطالبون بالتركيز فقط على درجات أبنائهم والنتائج التى يحققونها فى دراستهم أو ممارستهم للعبة رياضية، ولكن يجب تشجيعهم على أى مجهود يقدمونه مهما كان حجمه، لأن الأبناء بحاجة للشعور بقدرتهم على تحمل المسؤولية فى دراستهم أو ممارستهم لتمرين رياضى، لهذا يأتى دور الآباء هنا بضرورة تقديم شتى أنواع الدعم لهم وإعطائهم الفرصة للتعلم من أخطائهم حتى يكتسبون خبرة فى حياتهم".
وأشارت إلى ضرورة أن يترك الآباء لأبنائهم مساحة لإثبات ذواتهم والتعلم من أخطائهم، ولا يضغطون عليهم طوال الوقت للحصول على درجة نهائية فى أى مادة دراسية ولكن الأهم أن يتعلموا بشكل أفضل، وبهذا يحافظون على تقوية علاقتهم بأبنائهم وتصبح بشكل أفضل مع مرور الوقت.
وحذرت الآباء من عقد مقارنات طوال الوقت بين أبنائهم وزملائهم وأصدقائهم، حيث قالت: "المقارنة تؤثر سلبا على شخصية الطفل وتجعله يفتقد الثقة بنفسه وبقدراته، فضلا عن زيادة مشاعر الغيرة والكراهية بينه وبين الأطفال الذين يقارن بهم طوال الوقت، وقد يمتد الأمر إلى تحويل الطفل لمنعزل اجتماعيا، ويقلل من مهارة تواصله مع الآخرين، كما يؤثر سلبا على نموه العقلى والنفسى، ولذلك يجب على الآباء أن يمنحون أبناءهم الحب ويركزون على تنمية مهاراتهم ومدح صفاتهم الإيجابية، ويتجنبون مقارنتهم بأى طفل آخر".
ضغط الأباء على الأبناء
استشارى نفسى: الضغط على الأبناء يصيبهم باضطرابات القلق والإكتئاب
وعن رأى الطب النفسى على تأثير ضغط الآباء على الأبناء طوال الوقت، قال الدكتور على القط، استشارى نفسى، لـ" اليوم السابع":"ضغط الآباء على الأبناء طوال الوقت يكون بدافع حبهم لهم ليكونوا أفضل من غيرهم، لكنها لا تستمر لفترة قصيرة وتظل لفترة طويلة نطلق عليها اسم فترة مزمنة، والتى تظهر آثارها بأعراض نفسية وجسدية على الطفل، ويمكن أن تستمر معه لفترات أطول، خاصة أنها تؤثر على الهرمونات الجسدية، كما يؤثر على إفراز هرمون الكورتيزول وهذا يؤثر على الطفل جسديا قبل أن يكون نفسيا".
أضاف، حرص الآباء على أبنائهم طوال الوقت، يجعلهم يضغطون عليهم طوال الوقت مثل أن يذهب بعد المدرسة لحضور درس خصوصى أو تمرين رياضى، ما يتسبب فى شعور الطفل الدائم بالضغط، وبهذا تتحول طرق مساعدتهم لهم لاحتراق ذاتى لأطفالهم، وذلك لشعور الطفل بالإجهاد البدنى وبالتالى لا يشعر بالاستمتاع بما يفعله، وبالتالى تزيد لديه أعراض التوتر، بسبب شعوره الدائم بالضغط من أبيه الذى يردد على مسامعه دائما جملا فحواها ضرورة أن يجتهد حتى يصبح متفوقا على غيره، ويؤدى ذلك إلى تكوين شعور لدى الطفل بأنه سوف يقبل من أبيه عند تحقيقه لدرجات التفوق ودون ذلك يكون غير مقبول.
وأشار الاستشارى النفسى إلى أن الضغط المستمر على الطفل لتحقيقه النجاح والتفوق، يجعله يكون عن ذاته فكرة إنه يجب أن ينجح ويتفوق حتى يصبح مقبولا من الناس وليس لعائلته فقط، وإن لم يستطع الوصول لهذه الدرجة من التفوق والالتحاق بالوظيفة التى يتمناها الوالدان له فى المستقبل يصبح غير مقبول من المجتمع، وتأثير الضغط على الأبناء يظهر جليا على الأبناء بمرحلة الثانوية العامة، حتى أن بعض الطلاب قد يلجأون لإيذاء أنفسهم بشتى الطرق لعدم قدرتهم على الوصول لما تحلم به أسرته، ليهرب من مواجهتهم لأنه لم يستطع تحقيق هذا الحلم.
طالبة ثانوى
ونصح الاستشارى النفسى الآباء بضرورة اتباع بعض النصائح عند تعاملهم مع أطفالهم، حيث قال: «يجب على الوالدين عند بلوغ الطفل عمر 6 سنوات، أن يتقبلوا الطفل كليا، والتعقيب عليه يجب أن يشمل فقط سلوكياته السلبية بعيدا عن ذاته، وتقديم الدعم له وتذكيره بإنجازاته طوال الوقت، وتشجيعه وذكر مزاياه أكثر من تذكر عيوبه، ومن عمر 6 إلى 12 عاما، يجب أن يجتهد الوالدان مع الطفل بمساعدته بالتحلى بالثقة بالنفس والقدرة على تحمل المسؤولية والتأكيد على قدرته بالقيام بأشياء بمفرده، دون الحاجة لمساعدة من والديه، مثل تركه يذاكر بمفرده، ومساعدته على أشياء بسيطة، لأنه فى هذه المرحلة يسأل نفسه هل يستطيع تحقيق أى إنجاز بمفرده ولا هو بحاجة لمساعدة والديه ومعلميه؟
وتابع ضغط الوالدين على الطفل طوال الوقت، واعتماده عليهم تجعل منه شخصية اعتمادية مع مرور الوقت حتى عند يتزوج يعتمد على زوجته فى كل شىء، كما أن زيادة الضغط على الطفل يجعله يصاب بالاكتئاب واضطرابات القلق فى مرحلة المراهقة لتفكيره الدائم فى مستقبله، وذلك بسبب نقد والديه اللاذع دائما على أدائه فى المدرسة أو فى أى شىء يقوم به، كما أن تذكير الطفل طوال الوقت بإخفاقات يجعله يشعر بالذنب وتدفعه للدخول فى أعراض اكتئاب.
إذا ظهرت بعض التغيرات على المراهق سواء ولد أو بنت، مثل الانعزال والانطواء أو إجتماعى بزيادة بتحدى قواعد أسرته والسهر طوال الليل فى الأماكن الترفيهية المختلفة، ويمكن هذه المرحلة يجرب الأشياء التى كان ممنوعا منها، مثل تدخين السجائر وإدمان المخدرات حتى يثبت لذاته بأنه يستطيع القيام بكل شىء يرغب فيه بعيدا عن ضغوط الأسرة والمجتمع، ولتفادى هذه المشاكل يجب على الأسرة أن تتعامل مع المراحل العمرية الأولية للطفل باعتدال كما ذكرت فى السابق.
