وأشارت (قنا) - في تقرير لها - إلى أن مكانة متحف الفن الإسلامي، الذي يتوسط قلب العاصمة المصرية القاهرة، لا تتوقف على كونه من أكبر متاحف الفنون الإسلامية في العالم، أو احتضانه لهذا الكم الهائل من الآثار، بل تكمن أيضًا أهميته التاريخية في تنوع هذه الآثار وشمولها، مما يعطي زخما له ولدوره التاريخي المهم في الحفاظ على التراث الإسلامي، الذي امتد ليشمل الاهتمام بمجالات التعليم، والبحث والتعاون العلمي، والحوار والتقارب بين الحضارات.


وأوضحت أن قاعات العرض بالمتحف تضم مجموعات نادرة من الزجاج والخزف العثماني والسجاد الإيراني والتركي، بجانب مجموعة من أدوات الفلك والهندسة التي كانت تستخدم في العصور الوسطى، بالإضافة إلى المنسوجات والأختام ومجموعة متميزة من آلات الجراحة والحجامة التي كانت تستخدم في العصور الإسلامية، ما يعكس حجم الازدهار الذي كانت تشهده في مجالات الطب والهندسة والكيمياء، إلى جانب نسخ نادرة من المصحف الشريف و"مفتاح الكعبة" وغيرها من كنوز نادرة.


ونوهت بأن المتحف شهد محطات تاريخية مهمة منذ أن تحولت فكرة إنشاء متحف للفنون والآثار الإسلامية في عصر الخديوي إسماعيل سنة 1869 إلى واقع ملموس في عصر الخديوي توفيق سنة 1880، حيث تم تنفيذ هذه الفكرة على أيدي فرانتز باشا مدير القسم الفني في وزارة الأوقاف المصرية حينئذ، والذي جمع التحف الأثرية التي ترجع إلى العصر الإسلامي في الإيوان الشرقي لجامع "الحاكم بأمر الله" بالقاهرة إلى أن وصل عددها إلى 111 تحفة في عام 1882، ثم تم بناء مبنى صغير في صحن الجامع أطلق عليه اسم "المتحف العربي"، قبل أن يتم افتتاح متحف الفن الإسلامي في المبنى الحالي بميدان باب الخلق، أحد أشهر ميادين القاهرة التاريخية، في عهد الخديوي عباس حلمي الثاني في 28 ديسمبر 1903.


من جانبه، قال مدير المتحف الإسلامي الدكتور ممدوح عثمان - في تصريحات خاصة لـ "قنا" - إن المتحف مر بمراحل تطور عديدة وإن الأمر لم يكن اعتياديا وإنما جرى تسجيل هذه المراحل وتوثيقها في أرشيف المتحف، مشيرا إلى أنه مع افتتاح مبنى المتحف عام 1903، تم نقل كافة المحتويات والمقتنيات من المتحف العربي إلى المتحف الذي تم إنشاؤه حديثا، والذي بدأ لاحقا في استقبال عدد من الإهداءات من قبل أشخاص بارزين.


وأشار عثمان إلى استمرار شراء القطع الأثرية التي تنتمي إلى العصر الإسلامي وإرسالها للمتحف أو إهداءه إياها حتى زادت بشكل كبير أعداد القطع بالمتحف، كما تم استخراج العديد من القطع التراثية نتيجة حفائر في تلال الفسطاط، الأمر الذي أضفى إثراء كبيرا في محتوياته، موضحا أن عدد القطع الموجودة في العرض المتحفي داخل متحف الفن الإسلامي تصل إلى أكثر من 4 آلاف قطعة إلى جانب وجود ما يقارب 96 ألف قطعة أثرية في المخازن تستخدم في إثراء جميع متاحف مصر التي يوجد بها قاعات للفنون الإسلامية، للحفاظ على هذه الآثار المهمة من جهة، وجعل المتحف الأم للحضارة الإسلامية الذي يغذي بقية المتاحف من جهة ثانية.


وأضاف عثمان أن دور متحف الفن الإسلامي بالقاهرة تحول إلى جامعة لدراسة فنون الآثار وقبلة للدارسين في مجالات العلوم والفنون والبحث العلمي بصفة عامة، لافتا إلى أن مكتبة المتحف تضم مجموعة نادرة وقيمة من المصادر والمراجع المتخصصة في مجال التاريخ والآثار والفنون والعمارة الإسلامية تصل إلى حوالي 13 ألف كتاب.


من جانبها، أشارت الدكتورة هبة عبداللاه محمود رئيس قسم الأرشفة ومدير الأحراز بمتحف الفن الإسلامي بالقاهرة إلى أنه كان يسمى دار الآثار العربية أو المتحف العربي حتى عام 1952، وبدأت تتوالى فيه عمليات الإهداء والشراء للقطع الأثرية المهداة إلى المتحف ومن بينها قطع إسلامية لغير الناطقين بالعربية من دول مثل الصين وإيران والهند، موضحة أن ذلك كان باعثا لفكرة تغيير اسم المتحف من دار الآثار العربية إلى متحف الفن الإسلامي ليتم تطويره لأول مرة في عام 1983 وتجديد أسلوب العرض وآلياته.


وقالت هبة إن عملية التطوير تواصلت حتى إعادة افتتاحه عام 2010، حيث شهد بناء مكتبة تحوي مئات من أمهات الكتب ومعمل الترميم ومكاتب للعاملين، حيث تم تقسيم المتحف إلى جناحين، الأول يعتمد ترتيبًا تاريخيًا من العصر الأموي وحتى عصر أسرة محمد علي، والثاني يعتمد ترتيبًا بالموضوعات مثل المسبوكات، والسلاح والحياة اليومية، والطب والحياة اليومية، والسجاد، والنسيج، لافتة إلى أنه تم تجديده مرة أخرى بعد سبع سنوات ليعاد إلى شكله الأول بكامل مقتنياته.


وأضافت هبة أن المتحف يضم عددا كبيرا من المقتنيات الفنية الرائعة التي جعلته أحد أكبر المتاحف على مستوى العالم، حيث أن قاعة الأسلحة تضم أسلحة السلاطين والخلفاء الذين أدوا أدوارا مهمة في الحفاظ على الحضارة الإسلامية، ومنهم السلطان العثماني محمد الثاني "الفاتح"، حيث يحتوي المتحف على سيفه الذي تقلده عند فتحه القسطنطينية وعليه كتابات تدعو إلى العدل والعطف على الفقراء والمساكين.


ونوهت رئيس قسم الأرشفة، ومدير الأحراز بمتحف الفن الإسلامي بالقاهرة، أن من أهم ما يجذب الزائر للمتحف هو "مفتاح الكعبة" وهو مفتاح تشريفي، حيث كانت مصر ترسل المحمل وكسوة الكعبة، وبعد ذلك يعود المحمل ومعه المفتاح إلى السلطان مرة أخرى للتبرك به، وإلى جانب ذلك يوجد باب مسجد السيدة زينب الذي تم إنشاؤه في عهد محمد علي باشا، حيث يعد أكبر باب مصفح بالفضة، بالإضافة إلى قطعتي شمعدان للسلطان قايتباي حيث كانتا موجودتين أثناء حريق شب في الحجرة النبوية، وأعاد قايتباي تأهيل الحجرة النبوية وترميمها وأوقف لها العديد من القطع من بينها قطعتا الشمعدان وتمت إعادتهما إلى مصر مرة أخرى وإيداعهما في متحف الفن الإسلامي.


وقالت، إن المتحف يهتم بمجال العلوم والطب والفلك، وتخصص قاعة لهذا القسم تضم الطب التقليدي، وأدوات التشريح والموازين والمكاييل وأدوات الطحن والطب الشعبي، كما يحتضن المتحف مجموعة من أدوات الفلك والهندسة والكيمياء والأدوات الجراحية والحجامة التي تعكس تقدم العالم الإسلامي في عصوره المزدهرة، كما تضم قاعات المتحف مجموعة من أندر أنواع السجاد الموجود في العالم، والتي تتميز بأسلوب العقدة، وهو صناعة تركية وإيرانية تعكس التقدم الكبير للحضارة والفنون الإسلامية.