طارق الخولى

نكات المصريين تبتلع «الحوت الأزرق»

الأربعاء، 11 أبريل 2018 10:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
تصاعدت أزمة لعبة «الحوت الأزرق» بعدما أودت بحياة ابن البرلمانى السابق حمدى الفخرانى، وكعادة الشعب المصرى الجميل، كسر رهبة اللعبة بالسخرية والتنكيت، لكن هذا لا يمنع من أن خطر اللعبة مازال قائمًا، خاصة على الذين هم فى سن المراهقة، كما أن الأمر لا يقتصر فقط على لعبة «الحوت الأزرق»، وإنما هناك عدد كبير من الألعاب يتحكم فى عقول المراهقين، ويدفعهم لارتكاب الجرائم، ورأينا ألعابًا تدفع من يمارسها إلى إشعال النيران فى نفسه، ومن غير المستبعد أن تكون الحرائق المجهولة التى وقعت فى بعض المحافظات والقرى فى مصر وراءها تلك الألعاب. لكن الأخطر أن وقائع لعبة «الحوت الأزرق» كانت كاشفة لمشهد خطير نعاصره اليوم، وهو مدى تأثير العالم الافتراضى على واقعنا، فقد أودت لعبة إلى الموت طواعية، ليأتى هذا مفسرًا لسهولة ويسر استقطاب الأشخاص للانتماء إلى التنظيمات الإرهابية والمتطرفة، بالإضافة إلى المساحات الرحبة فى عالم الإنترنت لأجهزة المخابرات لممارسة الحرب الذكية، أو ما يسمى بالجيل الرابع من الحروب.
 
فقد تقدم عدد من النواب فى البرلمان بطلبات إحاطة وبيانات عاجلة لمناقشة القضية، إضافة إلى دعوة أكثر من لجنة لعقد اجتماع لبحث السبل التشريعية لحجب ووقف تلك الألعاب الخطرة، ومن بينها لجان الاتصالات والدفاع والأمن القومى والشباب، حيث دعا عدد من النواب هذه اللجان لبحث القضية، أو تشكيل لجنة مشتركة، لبحث الملف مع بداية عودة المجلس للانعقاد الأسبوع المقبل، بالإضافة إلى ما تم تناوله مسبقًا من بعض النواب عن مشاريع قوانين ومساع نحو غلق أو القدرة على التحكم فى مواقع التواصل الاجتماعى، ليبقى السؤال: هل الحجب أو المنع هو الحل فى مواجهة كل هذه المخاطر، أم التوعية والتعليم هما الأجدى والأهم؟
 
فى مصر يستخدم نحو %50 من المواطنين خدمة الإنترنت، فمصر الأولى عربيًا فى استخدام الـ«فيس بوك»، بواقع 22.4 مليون مستخدم، ففى استطلاع أجرته بعض المراكز تبين أن %73 من مستخدمى الـ«فيس بوك» فى مصر أقروا بعدم استطاعتهم الحياة بدونه، كما أشار نحو %51 منهم إلى أن «الفيس بوك» وفرّ لهم المزيد من فرص ومصادر المعرفة، وأوضح %24 منهم أنه يسّر لهم التفاعل مع الجهات الحكومية.
 
ويأتى الحديث عن الـ«فيس بوك» فى إطار ما قضت به محكمة القضاء الإدارى فى العام قبل الماضى، بعدم قبول دعوى قضائية تطالب بحظر الـ«فيس بوك»، حيث ورد فى صحيفة الدعوى أن «الموقع يتسبب فى تفتيت المجتمع، والتحريض على الفسق، وبث الشائعات ونشر الفوضى، وإهدار المال العام، والتحريض على اغتيال رجال الشرطة والجيش والقضاء، وإهدار هيبة القضاء بالتعليق على أحكامه من غير المتخصصين، مع تحريف أحكام القضاء فى بعض الأحيان»، وكانت هيئة المفوضين قد أوصت برفض الدعوى، وجاء فى تقريرها أن «النصوص القانونية خلت من تحديد الحالات التى تستدعى حظر أو حجب المواقع الإلكترونية والسلطة المختصة بذلك»، كما أشارت المحكمة فى حيثيات حكمها إلى أن «الرقابة الذاتية لمستخدمى مواقع التواصل الاجتماعى أنجح الطرق لعلاج ما يعترى بعض ممارسات مستخدمى تلك المواقع من خروج غير مألوف عن الأمور، ولا تثرى هذه الرقابة إلا بالحرية المسؤولة التى يتوهج سحرها بالحماية الذاتية، درءًا للمتربصين بالحريات العامة، فالحل الأمثل لما ترتكبه بعض صفحات «فيس بوك» من مخالفات يكون بمساءلة أصحابها.
 
ومن سياق ما جاء فى صحيفة الدعوى من إبراز لسلبيات الـ«فيس بوك»، وما ورد فى حيثيات الحكم من تحليل منضبط وحلول منطقية للمسألة، نجد أن الحجب الكلى لأى من مواقع التواصل الاجتماعى بات مستحيلًا من الناحية التقنية، بجانب مقتضيات درء الانغلاق المجتمعى، وما يترتب عليه من آثار عكسية وأمراض مجتمعية، وفى النموذج الإيرانى أسوة للناظرين، فمن بين تجارب الدول الست التى تمارس حجبًا دائمًا أو مؤقتًا لمواقع التواصل الاجتماعى، وهى «تركيا، إيران، باكستان، الصين، فيتنام، كوريا الشمالية»، فنجد مثالًا صارخا للهزيمة المدوية لـ«أردوغان» فى فرض الحظر على موقع «تويتر» بعد انتشار فضائح فساد لعدد من أفراد عائلته ورموز نظامه، فقد ارتفعت التغريدات التركية بنسبة بلغت %138، مقارنة بعدد التغريدات الصادرة من تركيا قبل يوم من الحظر، حيث نجح المستخدمون الأتراك فى إرسال أكثر من مليون تغريدة بعد ساعات من الحظر، بما يقرب من 17 ألف تغريدة فى الدقيقة، حيث تغلبوا على الحظر باستخدام رقم «8.8.8.8» وهو نطاق يسمح للمستخدمين بالوصول للمواقع المحظورة، حيث انتشرت التقنية بسرعة الصاروخ بين الأتراك، حتى أن الرقم قد نُقش على جدران كل أرجاء تركيا، فالحجب والمنع والحظر لم تأتِ إلا بأثر عكسى، حيث زادت أعداد المستخدمين وتضاعفت نسب المشاركة، فعلاج سلبيات مواقع التواصل الاجتماعى بشكل عام التى أقر بها، مع ارتباطها بطبيعة الحال مع ما يطرأ من ظواهر اجتماعية مصاحبة للتغيرات السياسية ليس بفرض الحظر غير القابل للتطبيق، وإنما برصد الجرائم وتنفيذ القانون.
 
أما عن التوظيف السياسى لمواقع التواصل الاجتماع، فقد كانت بمثابة الإعلام البديل فيما قبل ثورة يناير 2011، فقد كان لـ«فيس بوك» دور البطولة فى انطلاق احتجاجات ثورة يناير، حيث انتشرت الدعوات للتظاهرات والوقفات الاحتجاجية على مواقع التواصل الاجتماعى، وصار لها دور أساسى فى تنظيم التظاهرات، ومنذ ذلك الحين باتت مواقع التواصل الاجتماعى هى ملتقى كل أطراف الدولة، حيث أنشئت صفحات حكومية ناطقة باسم الوزارات والمؤسسات المختلفة، كما توجد تيارات سياسية متناحرة، كل يسعى إلى تحقيق انتصار لفكرته حتى لو اضطر البعض لاستخدام أحط السبل فى نشر الأكاذيب والادعاءات، لنجد ما أحط من ذلك فى انتشار السب والقذف والخلط بين النقد والتجريح، فبالتأكيد بتنا فى أمسّ الحاجة لتفعيل القوانين القادرة على ردع الظواهر الإجرامية على مواقع التواصل الاجتماعى، بالإضافة إلى بحث السبل التقنية فى حجب الألعاب التى تشكل خطورة على حياة الشباب والمراهقين.









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة