طارق الخولى

«25 يناير».. ما لها وما عليها (2)

الإثنين، 29 يناير 2018 10:00 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
الثورة فى حياة الأمم تختلف فيها مسببات الأحداث ولحظات الوصول وتحقيق ذروة انتفاضة الشعوب من جنس لآخر، فهذه اللحظة، أى لحظة ذروة الانتفاضة، ليست نمطية الحدوث، وإنما يرجع اختلافها ليس للوعى الفكرى فحسب، ولكن كذلك للتكوين التراكمى والجينى لعراقة الشعب، وعظمة جماعته البشرية، وروعة إسهاماته الإنسانية لأجياله المتتابعة على مدار قرون طويلة، فهنا تحضر جماهير الشعب المصرى، ويمكن التطرق إلى ماهية وعظمة تاريخ هذا الطرف، الفاعل الحقيقى لثورتى 25 يناير و30 يونيو.
 
الأركان الأساسية لأى دولة أربعة.. هى: الجماعة البشرية «الشعب»، والإقليم، والنظام السياسى، والاعتراف الدولى، فمصر يكمن سرها وسحرها وبهاؤها وعظمتها فى جماعتها البشرية قبل أى شىء.. فهذا الشعب قد احتار الكثيرون فى فهمه، ففشلوا فى حساب ردود أفعاله، وفى توقع انتفاضاته، فهو المتفرد الذى استطاع أن يبتلع ويستوعب كل الثقافات التى جاءته معتدية، فأثر فيها قبل أن يتأثر بها، فسنجد أن الغزاة من مشارق الأرض ومغاربها الذين جاءوه مستعمرين قد فشلوا فى إضفاء لغتهم وثقافتهم عليه، بل اضطروا فى كثير من الأحيان إلى إتقان لغته والتمرس بعاداته وتقاليده، بعكس تجارب دول المغرب العربى مثلاً التى تأثرت بالاحتلال الفرنسى، فصارت شعوبها، للأسف، تجيد اللغة الفرنسية أفضل من العربية. إذًا فأنت أمام شعب متفرد، يجمع فى طيات شخصيته الكثير، حتى من المتناقضات والمعضلات، فقد أبدع الشاعر «عبدالفتاح مصطفى» فى قصيدة «طوف وشوف»، فكتب فى وصفه.. شوف آثار أجيال ملوا الدنيا حضارة وابتكار/ علموا قلب الحجر يوصف معارك الانتصار/ علموه يبقى سفير الدهر ليهم بالفخار/ كان نهار الدنيا ما طلعشى وهنا عز النهار.
 
كما أعتقد أن من أدق من حللوه وحالفهم التوفيق فى إبراز حالات ثورته ومسببات انتفاضته، هو «الحجاج بن يوسف الثقفى» فى وصفه للمصريين فى وصيته لـ«طارق بن عمرو»، حيث قال: «إذا ولاك أمير المؤمنين أمر مصر فعليك بالعدل فهم قتلة الظلمة، وهادمو الأمم، وما أتى عليهم مقبل بخير إلا التقموه كما تلتقم الأم رضيعها، وما أتى عليهم مقبل بشر إلا أكلوه كما تأكل النار أجف الحطب، وهم أهل قوة وصبر وجلدة وحمل، ولا يغرنك صبرهم ولا تستضعف قوتهم، فهم إن قاموا لنصرة رجل ما تركوه إلا والتاج على رأسه، وإن قاموا على رجل ما تركوه إلا وقد قطعوا رأسه، فاتقِ غضبهم، ولا تشعل نارًا لا يطفئها إلا خالقهم، فانتصر بهم، فهم خير أجناد الأرض، واتقِ فيهم ثلاثًا: نساؤهم فلا تقربهن بسوء وإلا أكلنك كما تأكل الأُسود فرائسها، وأرضهم وإلا حاربتك صخور جبالهم، ودينهم وإلا أحرقوا عليك دنياك، وهم صخرة فى جبل كبرياء تتحطم عليها أحلام أعدائهم وأعداء الله».. إذًا فالمصريون عبر الأزمان لا يجورون على من أحسن إليهم، يثورون فقط فى ثلاث حالات: أن يُمس عرضهم أو أرضهم أو دينهم.. إما اعتداءً أو استبدادًا.
 
فمع الذكرى السابعة لثورة 25 يناير، تبرز هذه العلاقة التى احتار فيها الكثيرون، كيف يحب جيش شعبه حتى الفناء فى سبيل حمايته؟ وكيف يثق شعب فى جيشه إلى هذا الحد، فيهرول إليه عند كل محنة أو منعطف مصيرى، ليشعر بالسكينة والاطمئنان على حماية قراره؟ كيف لا، وقد بنيت عقيدة الجيش عبر مئات بل آلاف السنين على أن انحيازاته ومكانه بجانب الشعب؟ الشعب فقط.. فمصدر القوة الحقيقية للدولة المصرية، والتى تقف حائلًا أمام الأعداء فى اختراقها والنيل منها تكمن فى علاقة الانصهار بين الشعب والجيش، التى مردها، فى اعتقادى، أن هذا الجيش بنى بلبنات وطنية دون قشور الطبقية، والعنصرية، والمذهبية، فلا نجد على غرار جيوش كثيرة، أن قادة الجيش ممن ينتمون إلى عائلة حاكمة، أو طبقة اجتماعية معينة، أو من ذوات أجناس أو أعراق بعينها، أو من معتنقى ديانة محددة، فأبناء الجيش مصريون فحسب، بلا أى إضافة أو تميز، فمنذ الثورة العرابية، مرورًا بثورة 23 يوليو، حتى ثورتى 25 يناير و30 يونيو، وبرغم التغييرات الكبيرة عبر الأزمان والحقب التاريخية المتباعدة لهذه الثورات، فإن لسان الحال فى كل مرة ظل واحدًا.. «الشعب والجيش إيد واحدة»، فلا يمكن الارتكان فى تفسير هذا الأمر إلى مجرد اكتساب الأفكار، أو تواتر المعتقدات الوطنية، بل التوارث الجينى لهذه العلاقة عبر أجيال المصريين.
 
الثورات تبرز عمق العلاقات بين الأطراف، وتكشف عن معادن الأشخاص والجماعات، فالثورة لحظة انحياز كبرى لا تقبل المواربة الوطنية، ولا الميوعة السياسية، ولا المواءمات الحزبية، ولا الأطماع الشخصية.. هكذا كانت ثورة 23 يوليو، ومن بعدها كانت ثورتى 25 يناير و30 يونيو. فمع تقويم يوم 25 يوليو يتوالى على الأذهان زحام الكثير من الأحداث المفصلية، وتوابع ثوراتنا، وأوجه تشابه مواقف بعض الأطراف من هذه الثورات إلى الحد الذى يصل أحيانًا للتطابق، فبعكس ثورتى 25 يناير و30 يونيو، تحرك الجيش بداية فى فجر 23 يوليو 1952 ليسانده الشعب، ويبارك هبته، ويمنح حركته الشرعية الثورية، لتشهد مصر شهورًا من التوتر حول ملامح المستقبل، وشكل النظام السياسى، فدار صراع بين الأحزاب والقوى القديمة، فى مواجهة مجلس قيادة الثورة، وبين محمد نجيب وعبدالناصر، وكانت جماعة الإخوان طرفًا رئيسيًا فى الأحداث.
 
كعادة الجماعة، بدأت مراحل نفاقها، فسطوتها، فإجرامها.. ففى المرحلة الأولى سوفت فى الانحياز للثورة، فأصدرت بيانًا بتأييدها فى يوم 27 يوليو 1952، أى بعد التأكد من رحيل فاروق، وانتصار الثورة، كما فعلت فى 28 يناير 2011 عندما زحفت على الميدان بعد بزوغ بوادر نجاح الثورة، لتبدأ فى المرحلة الثانية، وهى محاولات القفز على الثورة، ومن ثم الحكم، أيضًا، كما فعلوا مع ثورة 25 يناير، لكنهم فشلوا فى مخططاتهم فانقلبوا على ثورة 23 يوليو، ونعتوها بالانقلاب، كما وصفوا ثورة 30 يونيو، التى أطاحت بهم، فحينها وصلت الجماعة للمرحلة الأخيرة.. الصدام.. إما الحكم أو الانتقام والفوضى.. فأقدموا على محاولة اغتيال عبدالناصر عام 1954 بميدان المنشية، كما فعلوا بعد إزاحتهم فى 30 يونيو 2013 من محاولات لإرهاب الشعب المصرى، ليفوض المصريون عبدالناصر لمواجهتهم، كما فوضنا السيسى فى 26 يوليو 2013.
 
خلاصة القول بأن ثورة يناير كانت القوات المسلحة كعادتها هى عامل الحسم فى نجاحها ككل الثورات المصرية، وأن انحياز الجيش للشعب فى ثورة يناير يحبط ادعاءات البعض بكونها مؤامرة، لأنه من غير المتصور انحياز الجيش لمؤامرة، ولكن التصدى للسطو على يناير من قبل الإخوان جاء بثورة يونيو المجيدة، ودعونا نؤكد على أن آخر نوط عسكرى قد حصل عليه الرئيس السيسى قبل مغادرة الجيش، هو نجمة 25 يناير.
 









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة