الحبيب على الجفرى يكتب: الإنسانية قبل التدين.. أثر التدين فى إنسانية "الوقف".. نريد أن نحيى فينا معنى استمرار البذل والعطاء لأن هذا يجمع بين حقيقة آدميتنا وفهمنا لدين الله وتديننا به

الثلاثاء، 20 يونيو 2017 12:00 م
الحبيب على الجفرى يكتب: الإنسانية قبل التدين.. أثر التدين فى إنسانية "الوقف".. نريد أن نحيى فينا معنى استمرار البذل والعطاء لأن هذا يجمع بين حقيقة آدميتنا وفهمنا لدين الله وتديننا به الحبيب على الجفرى

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
إنّ ثمرة إنسانية المعاملة مع الله تعالى تجعل حب العطاء دافعًا إلى استمراره بعد الموت؛ يقول الله تعالى: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ}، ويقول عزّ وجلّ: {وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ}، فالمال مال الله وهو الرازق والمعطى.
 
قال رسول الله ﷺ: «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية أو علم يُنْتَفَعُ به أو ولد صالح يدعو له»، وقال ﷺ: «سبع يجرى للعبد أجرهن من بعد موته وهُو فى قبره: من عَلَّمَ علمًا أو كرى نهرًا أو حفر بئرًا أو غرس نخلاً أو بنى مسجدًا أو وَرَّث مصحفًا أو ترك ولدًا يستغفر له بعد موته».
 
فتأملوا كيف قدّم ﷺ أعمال النفع العام، التى منها يستفيد المسلم وغير المسلم والحيوان والطير، على بناء المساجد!
 
لهذا لما سأله سعد بن عبادة، رضى الله عنه عن أفضل الصدقة لأمه المتوفاه قال: الماء، فحفر بئرًا وقال هذه لأم سعد، فبرُّ الأم مرتبط بفعل الخير المستدام؛ وقدم حاجة المجتمع إلى الماء على بناء المسجد، الذى هو فعل عظيم بلا شك، إذ قال ﷺ: «مَنْ بَنَى لله مسجدًا كَمَفْحَصِ قَطَاةٍ بنى الله له بيتًا فى الجنة».
 
كذلك عندما قال عمر بن الخطاب رضى الله عنه: أَصَبْتُ أَرْضًا لَمْ أُصِبْ مَالاً قط أَنْفَسَ منه، فكيف تأمرنى به يا رسول الله، قال ﷺ: «إن شئت حَبَّسْتَ أصلها وَتَصَدَّقْتَ بها». وقد اشترى عثمان بن عفان رضى الله عنه بئر رومة ووهبها للمسلمين، وهو ما استمر ببدائع مجالات أوقافها وسمو إنسانيتها، سموًا يفيض بالخير والرحمة على كل من يعيش على الأرض.
 
يعرف تاريخنا، على سبيل المثال، ما يسمى «الميلغة» التى توضع أسفل سبيل الماء للكلاب الضالة؛ وكان فى دمشق فى حىِّ القيمرية وقف اسمه «مدرسة القطط» خاص برعاية القطط، ووقف المرج الأخضر أسسه نور الدين الزنكى لرعاية جرحى خيول الجهاد والحيوانات العاجزة والمسنة التى يتوقف أهلها عن رعايتها.
 
بل يوجد فى مستشفى سيدى فرج بفاس وقف لعلاج طيور اللقلاق المهاجرة التى تتعرض للسقوط جراء التزاحم، وفيها قال شاعر:
 
إذا عطب اللقلاق يومًا فإنه بمال من الأوقاف يجبر من كسر
فإذا كان ذلك من البر بالحيوان غير المملوك فما بالكم برعاية الإنسان، فقد سمعنا عن وقف الزبادى للأطفال الذين يكسرون آنيتهم فيستبدلون بها غيرها كيلا يتعرضوا للتأنيب والتوبيخ؛ ووقف خداع المريض وهو من جملة وظائف المعالجة فى المستشفيات حيث يكلَّف اثنان من الممرضين بالحديث بجانب المريض حديثًا خافتًا يوحى بتحسن حالته ورجاء برئه.
 
 ويوجد وقف مؤنس المرضى حيث كان المؤذنون فى المسجد الملاصق لبيمارستان قلاوون ينشدون بأصوات ندية فى السحر تخفيفًا لآلام المرضى الذين يضجرهم طول الوقت والسهر، وقد كتب عنه علماء الحملة الفرنسية.
 
والأعجب من ذلك وقف جعله صلاح الدين الأيوبى فى قلعة دمشق عبارة عن ميزاب يسيل منه الحليب وميزاب للماء المحلى، تأتى إليه الأمهات ليأخذن حاجة أطفالهن من اللبن والسكر.
 
والحديث عن بدائع الأوقاف لا ينتهى.
 
أين نحن اليوم من إحياء هذا الوقف؟
 وقد سرّنى كثيرًا وقف جلالة الملك عبد الله بن الحسين لكرسى الإمام الغزالى فى المسجد الأقصى الشريف وكرسى الإمام الفخر الرازى فى عمّان؛ ووقف الشيخة فاطمة بنت مبارك لمواد تجريبية فى جامعة زايد، وكرسى الشيخ زايد رحمه الله للدراسات الإسلامية فى جامعة كمبردج.
 
نريد أن نرى الآن أوقافًا لمختلف شؤون التعليم، وتنمية المهارات، ولأصحاب البطالة، ولاستمرارية مساعدة الفقراء.
 
نريد أن نحيى فينا معنى استمرار البذل والعطاء، فهذا يجمع بين حقيقة آدميتنا وفهمنا لدين الله وتديننا به.









مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة