د. عباس شومان

التجديد.. وفكر الجماعات المتطرفة

الجمعة، 25 نوفمبر 2016 02:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لقد سعت الشريعة الإسلامية إلى تحقيق الأمن والطمأنينة فى حياة الأفراد والمجتمعات، واتخذت فى سبيل حفظ نفوسهم وأموالهم وأعراضهم عدة إجراءات تحفظية، وتدابير وقائية من شأنها أن تحفظ على المكلفين سلامتهم، وتحقق لهم عافيتهم التى يرجون.
 
وعلى الرغم من تعدد صور الإرهاب المعاصر واختلاف البواعث الحاملة عليه، وتفاوت آثاره باختلاف جرائمه، إلا أن الشريعة الإسلامية لم تتوان فى حسم مادة شره، والحيلولة دون تفشى أضراره، سواء أكان هذا الإرهاب يمارسه فرد، أم تنظمه جماعة، أم تقوم به دولة.
 
وحديثنا هنا عن الجماعات الإرهابية التى انتهجت العنف وترويع الآمنين مسلكا لتحقيق مآربها التى لا علاقة لها بالرسالات السماوية، ولا بالأعراف الوضعية التى يتبعها عموم البشر، مستغلين العاطفة الدينية للشباب المسلم خاصة، علهم يستميلونهم إلى صفوفهم لتكثير سوادهم وتقوية شوكتهم، حيث تسوق هذه الجماعات نفسها على أنها من المسلمين الذين يعملون لرفع راية الإسلام، ومقاومة طغيان الحكام، ليعم العدل وينعم المسلمون بخيرات بلادهم، دون تفرقة بين فئة وأخرى!
 
وحقيقة الأمر أن هذه الجماعات لا تنطلق من منطلقات دينية، ولا تسعى لخير الإنسانية كما تدعى، وحالهم بالنظر والتدقيق لا يخلو من أحد ثلاث فرق:
 
الفريق الأول: جماعات جاهلة بأحكام دينها، تلقت علمها على أيدى منتمين لتيارات متشددة تمسكت بظاهر النصوص دون فهم أو تدبر لما تحويه بواطنها، ودون ربط بينها وبين ما يقابلها من نصوص مخصصة لعمومها أو ناسخة لأحكامها، ومن هؤلاء جماعة التكفير والهجرة، وجماعة الجهاد، ومن على شاكلتهما. وهذا الفريق أخطر على الدين ممن ناصبوه العداء صراحة ورفضوا هديه مجاهرة.
 
الفريق الثانى: جماعات ذات توجهات سياسية تتخذ من الدين وسيلة للسيطرة على مقاليد الحكم، لنشر مبادئ وأفكار ترى أنه ينبغى على الجميع أن يعتنقوها، لأن ما سوى هذه المبادئ فى نظرها يعد من غثاء السيل الذى يجب غض الطرف عنه، ومن هؤلاء ما يطلق عليهم جماعات الإسلام السياسى، ومن على شاكلتهما.
 
الفريق الثالث: بعض المرتزقة الذين استغلهم من يحملون عداء تاريخيا للإسلام والمسلمين، ولا يملون من محاولات السيطرة على ثروات المنطقة العربية تحديدا، مستخدمين فى ذلك بعض المضللين وكذا الجشعين والعاطلين أو المهمشين فى مجتمعاتهم، وذلك بتحقيق متطلباتهم التى هى فى معظمها مالى واجتماعى فى مقابل تنفيذ ما يؤمرون به، فهم أشبه بالدمى فى أيدى هؤلاء الأعداء التاريخيين يحركونهم كيفما شاءوا، فى تطور نوعى لسبل المواجهة بين هؤلاء الأعداء وبين دول المسلمين. وقد حمل هؤلاء الأعداء هذه الأذرع بأسلحة فكرية ومفاتيح فتن لا تقل خطورة عن أسلحتهم العسكرية، بل دربوها على استخدام تلك الأسلحة الفكرية تدريبا متقدما يوازى التدريب العسكرى الأكثر تقدما. وفى مقدمة هذه الجماعات، بل هى الممثل الرسمى لهذا الفريق، تنظيم داعش الإرهابى الذى صنعه الغرب وزرعه فى المنطقة العربية.
 
وهذا التنظيم الإرهابى المجرم «داعش» هو تنظيم مفسد فى الأرض محارب لله ورسوله، ويصدق فيه قول ربنا عز وجل: «إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون فى الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزى فى الدنيا ولهم فى الآخرة عذاب عظيم»، وأصل جريمة الإفساد فى الأرض هو قطع جماعة الطريق على الناس لأخذ ما معهم من مال مستخدمين التخويف والإرهاب غير عابئين باعتماد هؤلاء المارة على تأمين الله لهم فى سيرهم فى طرقات غير مأهولة بالناس، ولذا كانت هذه الجريمة حربا لله ورسوله، وكانت عقوباتها من أشد العقوبات الواردة فى شريعة الإسلام؛ حيث يمكن أن تصل عقوبة من خرج على الناس فى طريقهم فأفزعهم، لكنهم استطاعوا الفرار والإفلات دون أن يلحقهم أذى مالى أو بدنى، إلى صلب الفاعلين جميعا عند من يرون عقوبات الحرابة على التخيير، فكيف بمن اعتدى على من يجمعون بين تأمين الله لهم وأنسهم بالناس من حولهم، حيث يسقط هؤلاء الدواعش البيوت فوق رؤوس ساكنيها، أو تصادفهم متفجراتهم فى طرقاتهم فتحولهم إلى أشلاء من دون سابق معرفة ولا إنذار، ومن دون جريرة أو ذنب اقترفوه؟!
 
ووصف هذا التنظيم بالمفسدين فى الأرض المحاربين لله ورسوله لهو الأولى والأكثر انطباقا على هذا التنظيم المجرم ومن على شاكلته من تنظيمات حملت السلاح ونشرت الرعب والفزع بين الناس، وسفكت الدماء، وانتهكت الأعراض ونهبت الأموال، أما إطلاق بعض أهل العلم على هذا التنظيم تسمية «الخوارج» أو «البغاة»، فهو غير منضبط من الناحية الشرعية، فضلا عن أنه يمنحهم تخفيفا لا يستحقونه، وذلك لأن وصفهم بهذا الوصف، البغاة أو الخوارج، يقتضى ألا نقاتلهم إلا إذا قاتلونا بالفعل، ويوجب الكف عن ملاحقة المدبر منهم، ويمنع الإجهاز على جرحاهم، فضلا عن تعرض الجرائم التى ارتكبوها فى حق الآمنين وقت القتال للإسقاط، وهذا لا ينطبق على هذا التنظيم المجرم الذى هو جدير بإسقاط أحكام الحرابة عليه، واتخاذ جميع التدابير التى من شأنها استئصال شأفته ومنع شروره.
 
لذا، يلزم المجتمع الدولى، والمنظمات الأممية المتشدقة بحقوق الإنسان، وكذا الدول الإسلامية، اتخاذ جميع التدابير التى من شأنها القضاء على هذا التنظيم المجرم، سواء على المستوى العسكرى أو الاستخباراتى أو الفكرى أو الاقتصادى أو الاجتماعى، وتحرير المختطفين والمختطفات الذين فى قبضتهم، وبسط الأمن والسلام على المجتمعات التى روعوا فيها الآمنين وأهدروا دماء الأبرياء ونهبوا أموال الأجيال وهتكوا أعراض الحرائر، كل ذلك من خلال التدليس على الناس وبخاصة شباب المسلمين بتحريف مفاهيم بعض المصطلحات الإسلامية كالخلافة، والجهاد، والدولة الإسلامية، وغير ذلك من مفاهيم تكفل بتصحيحها «مؤتمر الأزهر العالمى لمواجهة التطرف والإرهاب» الذى عقد فى القاهرة فى الثالث والرابع من ديسمبر عام 2014م، كما تذرعوا ببعض روايات مدسوسة وأخرى ضعيفة وردت فى تراثنا من باب إضفاء الشرعية على أفعالهم الإجرامية كالذبح والحرق لضحاياهم، وهو لعمرى زعم باطل وتأويل ساقط، سنتناوله بالتفنيد فى مقالات لاحقة، بإذن الله تعالى.









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
التعليقات 1

عدد الردود 0

بواسطة:

الشعب الاصيل

بارك الله فيك فضيلة الشيخ

بارك الله فيك فضيلة الشيخ ..حديثك رائع وواقعي

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة