أكرم القصاص - علا الشافعي

سامح جويدة

احكموا أنتم عليهم!

الثلاثاء، 04 أكتوبر 2016 11:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

  هؤلاء المهاجرون لم يخرجوا للبحث عن فرصة عمل وإنما للبحث عن فرصة للحياة أو للأمل

 
لن تفهم حجم المشكلة إلا لو عشت فيها أو نظرت لها بعيون شاكيها، ومشكلة الشباب والمراهقين الذين يهربون من مصر ولو بموتهم، لا تقتصر كما يصورها البعض على الفشل فى الحصول على عمل أو العجز عن إقامة مشروع صغير، لأن هذا متاح فى واقع الأمر، فالمئات من المصانع فى المناطق الصناعية تطلب عمالة غير مدربة، لتقوم بتدريبها قبل التشغيل أو لتستعين بها فى أعمال لا تتطلب مهارة، ونحن جميعا نعانى من قلة أعداد الحرفيين سواء سباكين أو نجارين أو نقاشين، وكثيرا ما سمعنا من العاملين فى هذه الحرف أن الشباب يتكاسل عن اكتساب خبراتها وتعلمها ويتأفف من العمل فيها، رغم أجورها المرتفعة نسبيا، واحتياج سوق العمل لهذه النوعية من الحرفيين، لذلك امتهنها أغلب المهاجرين إلى مصر من أشقائنا العراقيين والسوريين، وحققوا منها مردودا اقتصاديا جيدا، بل على قولهم جيد جدا، أما بالنسبة للمشاريع الصغيرة فما يدفعه الشباب المصرى ليهاجر إلى الخارج بهذه الطرق المخيفة يكفى لإقامة نوعيات متعددة من تلك المشاريع ويزيد فى بعض الأحيان، لذلك لا أتصور أن كل هؤلاء المهاجرين أو الهاربين خرجوا للبحث عن فرصة عمل، بل خرجوا للبحث عن فرصة للحياة أو للأمل، فالفقر فى مصر أصبح شيطانا مرعبا، والحياة فى العشوائيات أو فى بعض المناطق الريفية أو الساحلية أصبحت أشبه بحساب جهنم فى السماء أو بحياة الخنازير على الأرض. دقيقة واحدة تكفى أى إنسان طبيعى من الطبقة المتوسطة أو المستورة من أن يكتشف الفرق بمجرد دخوله إلى تلك المناطق أو بالأصح إلى هذه الحياة المشوهة فى كل نواحيها، رائحة عفنة رطبة تجتاح أنفك منذ البداية فى الطرقات والبيوت حتى تتصور بعد فترة أنها التصقت بك والتحمت مع ذرات جسدك، قذارة وأوساخ من كل الأنواع تحيطك وتسجنك فى أسوار من التقزز والنفور، ورغم ذلك فأنت مضطر للتعايش والتعامل والنوم، ألوان باهتة كئيبة أغلبها من رماديات التراب وبنيات الطين تغمر بصرك وتعتم بصيرتك، قسوة فى التعامل بين الجميع بلا مبرر، وبلا سبب، إلا من أن توحش الحياة وشراستها فى تلك المناطق طغت على أخلاق البشر، فقد تنشب فى كل لحظة معركة ودم ومقتولين ومصابين بلا منطق، وكأنهم يعادون الحياة المشوهة التى يعيشونها بالانتقام من بعضهم البعض، الخدمات والمرافق الإنسانية المعتادة تبدو مستحيلة فى بعض هذه المناطق، فلا مياه شرب ولا شبكات صرف ولا كهرباء مشروعة أو حتى مسروقة.
 
تأملوا تلك الحياة وفكروا مثلما يفكر من يعيش فيها فهل يكفيك ألف أو ألفا جنيه كل شهر لتغيرها أو حتى لتحسنها ،هل يمكن أن توفر لك أى فرصة عمل جيدة تكاليف الانتقال أنت وأهلك من هذه الزريبة إلى أى منطقة سكانية معقولة؟ كم تحتاج لتحصل على أى شقة فى المناطق الطبيعية، خاصة بعد أن احترف الجميع التجارة فى الأراضى والعقارات بما فيهم الدولة حتى وصلت أقل شقة إلى نصف مليون جنيه، فلو افترضنا مجازا أنك ستحصل على فرصة عمل براتب ألفين أو ثلاثة آلاف جنيه، وأنك لن تنفق على طعام أو شراب أو علاج أو أى احتياجات آدمية، وستوفر دخلك كله للحصول على هذا المسكن، أنت تحتاج إلى عشرين عاما من عمرك لتخرج من حياتك البائسة الكئيبة وتحصل فقط على سكن، لذلك اختار الكثير منهم أن يهرب ولو كانت النهاية هى الكفن، أنا شخصيا تائه، ومحتار فى الحكم عليهم، أشفق على حالهم وألعن طريقة تفكيرهم، حزين على حياتهم اليائسة وحزنى أكبر على نهايتهم المؤسفة. لا أستطيع أن أشجعهم ولا أجرمهم، كل ما أمتلكته أن أنقل لكم أفكارهم ولتحكموا أنتم عليهم.









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
التعليقات 1

عدد الردود 0

بواسطة:

achraf

لا تلقوا بأنفسكم فى التهلكه

كل إنسان له ظروف لا يعلمها إلا الله ، فمن نحن حتى نحكم عليهم؟ لكن يبقى التوجيه و النصح و الإرشاد و التوعيه التى تنقصنا للأسف.

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة