نانى تركى تكتب: صوت قادم من الجنة

الأربعاء، 11 فبراير 2015 10:10 م
نانى تركى تكتب: صوت قادم من الجنة الشيخ محمد رفعت

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
يتخبط الناس بين شيوخ الدين بين وسطى و سلفى و وهابى و أزهرى و أيهما أقرب للإسلام فكان لزاماً أن نتعرف على السابقين قبل أن تجتاح الفِرّة العالم الإسلامى و يختلط الحابل بالنابل ، نتذكرهم و نستهل من سيرتهم العطرة العظى و العبرة و سماحة الإسلام قبل أن يجتاحنا تتار الشيوخ الذين لا نعرف من أى جهة طلوا !

الشيخ محمد رفعت أحد القراء المصريين البارزين الملقب بـ " المعجزة " و" قيثارة السماء " ولد الشيخ الجليل عام ١٨٨٢ ميلادى بحى المغربلين بالقاهرة و توفى فى عام ١٩٥٠ .

كان الشيخ محمد رفعت من أول من أقاموا مدرسة للتجويد الفرقانى فى مصر فكما قيل : القرآن نزل بالحجاز و قرأ بمصر ، و كانت طريقته تتسم بالتجسيد للمعانى الظاهرة للقرآن الكريم و إمكانية تجلى بواطن الأمور للمتفهم المستمع بكل جوارحه لا بأذنه فقط ، و التأثر و التأثير فى الغير بالرسالة التى نزلت على سيدنا محمد خير البرية صلى الله عليه و سلم فقد كان الشيخ محمد رفعت يبدأ بالاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم و البسملة و الترتيل بهدوء و بعدها يعلو صوته فهو خفيض فى بدايته و يصبح بعد وقت ليس بالطويل عالياً لكن رشيداً يمس القلب و يتملكه و يسرد الآيات بسلاسة و حرص منه و استشعار لآيات الذكر الحكيم .

كان جل اهتمامه بمخارج الحروف و كان يعطى كل حرف حقه ليس كى لا يختلف المعنى بل لكى يصل المعنى الحقيقى إلى صدور الناس و كان صوته رحمه الله رخيماً رناناً و كان ينتقل من قراءة إلى قراءة ببراعة و اتقان و بغير تكلف بعكس القارئين الذين خلفوه الذين يفتخرون بذلك و يتمادوا فى ذلك بطريقة مبتذلة زائدة عن الحد و كان صوته يحوى مقامات موسيقية مختلفة و كان يستطيع أن ينتقل من مقام إلى مقام دون أن يشعرك بالاختلاف .
كان الشيخ محمد رفعت قوياً رقيقاً خاشعاً عابداً لله يشهد بوحدانية الله و صمديته فهو رجل خشع قلبه فخشع صوته فتجد الناس تبكى و تخشى الله عند ذكره لآيات الترهيب و تفرح بذكره آيات الترغيب لذى سمى بسوط عذاب و صوت رحمة ، و عند سرده للقصص القرآنى يتفكروا فى الآيات و يتدبروها و يعتبروا منها أما عندما يتصدق أى يقول صدق الله العظيم يندموا على بعده و يتمنوا لو استمرت تلاوته أبد الدهر فهو صوت من الجنة يدركه المستمع العادى و عاشق القرآن .

ولد الشيخ محمد رفعت فى ٩ مايو ١٨٨٢ بحى المغربلين فى القاهرة و فقد بصره صغيراً و هو فى سن الثانية من عمره فقد كان جميلاً جداً عند ولادته يقال حسدته إحدى السيدات فقالت : له عيون ملوك و يستيقظ الطفل فى اليوم التالى على ألم فى عينيه و عدم قدرته على الابصار و أصيب بالعمى نتيجة مرض أصاب عينيه .

حفظ القرآن فى سن الخامسة حيث التحق بكتاب مسجد فاضل باشا بدرب الجماميز بالسيدة زينب و درس علم القراءات و علم التفسير ثم المقامات الموسيقية و درس الموسيقى مثل موسيقى بتهوفن و موزات و فاجنر و كان يحفظ العديد من السيمفونيات الموسيقية ، ثم توفى والده محمود رفعت والذى كان يعمل مأمور بقسم شرطة الخليفة و هو فى التاسعة من عمره فوجد الطفل اليتيم نفسه مسؤولاً عن أسرته و أصبح عائلها الوحيد فلجأ إلى القرآن يعتصم به ولا يرتزق منه تولى القراءة بمسجد فاضل باشا بحى السيدة زينب سنة ١٩١٨ و هو فى سن الخامسة عشرة فبلغ شهرة و نال محبة الناس ، وأفتتح بث الإذاعة المصرية سنة ١٩٣٤ وذلك بعد أن استفتى شيخ الأزهر محمد الأحمدى الظواهرى عن جواز إذاعة القرآن الكريم فأفتى له بجواز ذلك فافتتحها بقول من أول سورة الفتح " إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً " و لما سمعت الإذاعة البريطانية بى بى سى العربية صوته أرسلت إليه و طلبت منه تسجيل القرآن فرفض ظناً منه أنه حرام لأنهم غير مسلمين فاستفتى الإمام المراغى فشرح له الأمر و أخبره بأنه غير حرام فسجل لهم سورة مريم .
تنافست على تلاوات الشيخ العديد من المحطات الأجنبية مثل إذاعات برلين و لندن و باريس و ذلك إبان الحرب العالمية الثانية لتستهل افتتاح برامجها العربية بصوت الشيخ محمد رفعت حتى تجذب أكبر عدد من المستمعين إلا أن الشيخ كان عفيفاً متواضعاً لايرضى أن يتكسب من وراء القرآن وكان يرى أموال الدنيا عرضٌ زائل .

يروى عن الشيخ محمد رفعت أنه كان رحيماً رقيقاً ذا مشاعر جياشة عطوفاً على الفقراء و المحتاجين و كان يطمئن على فرسه كل يوم ويوصى بإطعامه ، ويروى أنه زار صديقاً له قبل موته فقال له صديقه من يرعى فتاتى بعد موتى !! فتأثر الشيخ بذلك وفى اليوم التالى و الشيخ يقرأ من صورة الضحى حتى وصل إلى قوله تعالى " فأما اليتيم فلا تقهر" فتذكر الفتاة وانهال فى البكاء بحرارة ثم خصص مبلغاً من المال للفتاة حتى تزوجت .

كان منزله بمثابة منتدى ثقافى صغير جمع فيه تشكيلة من فئات الشعب المختلفة و كوكبة من رجال الأزهر والفنانين أمثال عبد الوهاب و أم كلثوم و ليلى مراد و محمد التابعى حتى نجيب الريحانى كان يحب الجلوس معه فى بيته و كانت تدور بينه و بين أهل الفن و الأدب و الدين العديد من المناقشات الفنية و الفكرية .

أصيب الشيخ محمد رفعت فى عام ١٩٤٣ بمرض سرطان الحنجرة الذى كان معروفاً وقتئذٍ " بمرض الزغطة " ، سبحان الله كم من أناس تملأ حناجرهم الدنيا جعيراً بلا فائدة ولكن الله أحب الشيخ فامتحنه فى حنجرته و توقف عن القراءة ، بالرغم من أنه لم يكن يملك تكاليف العلاج إلا أنه اعتذر عن قبول أى مدد أو عون ألح به عليه ملوك و رؤساء العالم الإسلامى و كانت كلمته المشهورة " إن قارئ القرآن لا يهان "

أما عن ثروة الشيخ محمد رفعت فكان لا يملك من حطام الدنيا إلا بيته فى حى البغالة فى السيدة زينب و المكون من ثلاث طوابق و قام بتأجير طابقين منه ليستعين بالإيجار على مطالب العيش كذلك كان يمتلك قطعة أرض بشارع المنيرة اضطر لبيعها للانفاق على علاجه .
و فارق الشيخ الحياة فى ٩ مايو نفس اليوم الذى ولد فيه فى عام ١٩٥٠ رحمة الله عليه .
وصف الموسيقار محمد عبدالوهاب صوت الشيخ محمد رفعت بأنه ملائكى يأتى من السماء لأول مرة أما على خليل ( شيخ الإذاعيين ) فيقول عنه أنه كان هادئ النفس تشعر و أنت جالس معه أن الرجل مستمتع بحياته و كأنه فى جنة الخلد كان كياناً ملائكياً ترى فى وجهه الصفاء و النقاء و الطمأنينة و الإيمان الخالص للخالق و كأنه ليس من أهل الأرض ، أما الشيخ الشعراوى فقال : "إذا أردت أن تستمع إلى الصوت الجميل فاستمع إلى الشيخ عبد الباسط عبد الصمد فصوته حلو وإذا أردت أن تستمع إلى فنون التلاوة فاستمع إلى الشيخ مصطفى اسماعيل وإذا أردت أن تتعلم تلاوته فاستمع إلى الشيخ الحصرى .. وإذا أردت أن تستمع إلى كل هؤلاء فاستمع إلى صوت الشيخ محمد رفعت ".

نعت الإذاعة المصرية الشيخ محمد رفعت عند وفاته إلى المستمعين بقولها : "أيها المسلمون فقدنا اليوم علماً من أعلام الإسلام " أما الإذاعة السورية فجاء النعى على لسان المفتى حيث قال : " لقد مات المقرئ الذى وهب صوته للاسلام ".

للآن الأمة الاسلامية لا تنسى هذا الصوت القادم من الجنة حتى بعد وفاته بخمسة و ستين عاماً فللقرآن حلاوة ومع صوت الشيخ محمد رفعت تزيد الحلاوة حلى اللهم اجعله فى ميزان حسناته وارحمه رحمة واسعة.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة