ليس على المتشائم حرج!

مع مطلع العام الجديد تتطاير فى فضاء مصرنا الحبيبة التهانى والتبريكات، وتتلون سماؤنا بالأحلام والأمنيات، وتكثر الوعود الرسمية وتتضخم الطموحات، وكل هذا مشروع ومعروف، لكنك لن تعدم وجود أناس يعزفون نغمة أخرى حزينة متشائمة ترى ألا أمل فى المستقبل ولا نور فى آخر النفق! هل على المتشائم حرج فى هذه الحالة؟ ألا يتحدث من خلال واقع يعيش فيه، وقرارات تتخذ، وأخرى ينتظرها فلا تتخذ، وكلها لا تبنئ بانفراجة فى الأفق؟

لست من المتشائمين، لا الآن ولا أمس ولا فى المستقبل، فالظن عندى أن البشر منذ خلقهم الله يتحركون إلى الأمام دومًا، ويستهدفون تعمير الأرض والتمتع بالحياة، وبنظرة سريعة على التاريخ الإنسانى المكتوب نكتشف بسهولة أن الإنسان كان عبدًا يملكه ويتحكم فيه إنسان آخر، فجاء بشر عظام أمثال إخناتون وسبارتكوس وكونفوشيوس وبوذا والأنبياء الصالحين ليحرروا الإنسان من ظلم أخيه الإنسان، ويقودون البشرية إلى آفاق أرحب.

صحيح قد تعترض طريق هذا التقدم البشرى عقبات، مثل ألاعيب الطبيعة وغدرها من براكين وزلازل وفيضانات، إلا أن ذلك لا يفت فى عضد الإنسان نحو تحقيق حلمه فى حياة أكثر أمنا وعدلا وجمالا، إذ سرعان ما تستنهض الهمم ليصلح ما أفسده الغضب السماوى ويعيد ترتيب الطبيعة بما يتوافق مع تصوراته، لكن أسوأ ما يعوق حركة التقدم هو حب السلطة والمال، وكم ذاقت الشعوب مرارات حكام نهبوهم وعذبوهم، ومع ذلك لا تركن الجموع إلى الانصياع طويلا لبطش هؤلاء الحكام وغبائهم، فسرعان ما تنتفض وتثور وتطرد الطغاة والخبثاء من عرين السلطة.

فى مصرنا الحبيبة طردنا رئيسين فى أقل من ثلاثة أعوام، لأنهما كانا يمثلان أسوأ نموذج للحاكم الطماع الغبى، لكن الأحلام بدت أكبر من الإمكانات.. لا أتحدث عن الإمكانات المالية، وإنما عن حظوظنا من الخيال، ونصيبنا من الجرأة!

أجل.. لا تقدم لشعب إذا لم يكن حكامه يتمتعون بخيال متدفق، ويمتلكون الجرأة لاتخاذ القرارات التى تحول الخيال السابح فى السماء إلى واقع ملموس فى الأرض نلمسه بأيدينا.

ألم أقل لك ليس على المتشائم حرج، وكل عام وأنت طيب!