نبيل شرف الدين

لتكن كما تشاء

السبت، 06 سبتمبر 2014 03:12 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
كغريبٍ عاد بعد دهورٍ لوطنه ليكتشف فوضى عارمة من الحكايات والأمكنة والأزمنة المفقودة، حالة مراوغة أبدية، وافتقاد مرير لمن تشتهيهم الذاكرة، فلتكن غابة تسكنها العتمة والصمت، ومدينة يغسلها المطر المباغت، ويشويها القيظ الخانق. لتكن أيها التائه فى مناكبها خطًا مستقيمًا بين بداياتٍ ونهاياتٍ مبتسرة، ولتكن كائنًا محشوًا بالشقاء.. شقيًا كنت وما زلت أيها المتمرد على حكمة الكائنات المواربة، والمواقف المواربة، ولوثة الحروب، وجنون عظمة الدول العابرة للقارات، ووهن دولنا القابعة على حواف التاريخ والجغرافيا، يسكنك الرعب من يقظة المارد الذى قمعته داخلك لتستمر الحياة.
سأهبك الخيبة..

عبارة يسمعها من هاجسٍ لحوح يُلاحقه بالصحو والمنام، يعلو صوته آمرًا ومبشرًا ونذيرا: «سأخلصك من الدهشة، فلا شىء سيبهرك، وستظل مأخوذًا بالوهم والوهن، مسكونًا بفراغ الجمل غير المفيدة، متدليًا من العبارات المترهلة المسترخية باطمئنان، تسخر من المقولات المُستهلكة كقولهم: «عصفور على الشجرة أجمل من كل العصافير المحبوسة بالأقفاص»، بعدما انحصرت هواياتك فى الانتظار والتدخين، واقتناء الأشياء القديمة والضحكات القديمة، وجمع القواقع لتستمع لصوت البحر قبل الطوفان الأسطورى.
سأهبك الصمت..

حتى يبدو فمك كثقب هجرته الكلمات، وحدها الحروف الساكنة التى ستكون لك، وستمتلك ناصية الأبجدية حرفًا تلو الآخر، لكن سأعزلك عن اللغو الإلكترونى، والصخب الفضائى، والمكالم المترهلة المثيرة للغثيان، فالحكمة تسكن الصمت، والحب ينمو بصمت، والأمنيات الجميلة تساقطت بصمت.
سأهبك جوادًا..

يرمح كالبرق، وطرقًا بلا نهايات، ومملكة تستعصى على سيفك الخشبى، وآلاف النساء اللاتى يرفضنك حتى لو كنت الرجل الوحيد الباقى على قيد الرجاء، وسيكون لك المعنى.. تكتبه وتلقيه بسلة المهملات، لتدرك بالنهاية عمق تمردك على الحياة بقواعدها النمطية السمجة، كما اعتادتها جميع الأمم.
سأهبك الماء..

ومعه ستتبخر للشواطئ البكر، فوحده الماء تاريخ طويل من الرأفة بالكائنات، قاتل رحيم كالموت المُباغت حينما يتسلل آخر الليل أو مطلع الفجر لينجز مهمته بهدوء ويمضى. لست صيدًا سهلاً لليأس كما قد تظن، لكنى أرفض المقولات المُعلبة عن التفاؤل فمنذ ألف عام أتفاءل بالأوطان والشعوب والزعماء والحرية والصدق والعدل والانتصارات، والآباء والأمهات والأجداد والأحفاد.. وملايين التفاؤلات، لكننى لم أحصد سوى غبار الأمكنة العتيقة، ومشاهد انتحار الأحلام على قارعة الطرقات، لهذا سأفرغ ذاكرتى من تاريخها المُكدس بالأساطير المريرة، لأفُسح فيها موضعًا لاختزان أساطير جديدةٍ موجعةٍ للنهايات المأساوية، والبدايات المُبهمة لزمنٍ لا حول لنا فيه ولا قوة.








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
التعليقات 1

عدد الردود 0

بواسطة:

إبراهيم جاد

كلمة شكر

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة