ناصر عراق

حكاية عمى يوسف

الجمعة، 08 أغسطس 2014 12:48 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
تحت جلد مصر تنبت حكايات مزهرة تستحق أن تروى للأجيال المصرية المتعاقبة، وبين أوردة هذا الوطن الغالى يتألق رجال من حديد وورود يملكون قدرات خاصة على فهم الواقع والعمل على تغييره للأفضل.

تعال أقص عليك ما تيسر من حكاية عمى يوسف لتدرك روعة الرجال، وعظمة البلد الذى أنجب هؤلاء الرجال.

فى عام 1922 ولد الطفل يوسف فى قرية منسية فى دلتا مصر بمحافظة الغربية، اسمها (أبو الغر/ بحرف الغين وليس العين)، لم يكن أبوه سوى واحد من ملايين الفلاحين المصريين المنهكين، وحين بلغ الطفل التاسعة من عمره مات والده من المرض والهموم، فاضطرت أمه إلى إخراجه من المدرسة – هو وشقيقه الأصغر – لأنها فلاحة بسيطة لا تقوى على دفع مصاريف تعليمهما، التحق عمى يوسف وأخوه بالعمل فى ورش صناعة الطرابيش بالمحلة الكبرى، ثم انضما إلى جيش العمال الذين عملوا بمصانع المحلة. وفى سنة 1940 قرر أن يهجر المدينة الصناعية واصطحب أخاه وهبطا أرض القاهرة مزودين بأحلام كبيرة وأمنيات مشرقة.

كان عمى يوسف بالغ الذكاء.. خفيف الظل.. عاشقاً للمرح والمزاح، يقرأ ويطالع ويشاهد وينصت، فبهرته أفكار طه حسين وسلامة موسى وابتهج مع قصائد شوقى، وانفعل بأداء يوسف وهبى وانتشى بصوتى أم كلثوم وعبدالوهاب، لكنه لم يطمئن فؤاده أبدًا إلى الظلم الذى يقع على كواهل العمال والفلاحين، وسرعان ما انضم إلى المنظمات التى تدافع عن حقوق أولئك وهؤلاء، فأدرك أن الملك والإنجليز والرأسماليين الطماعين يمثلون الثلاثى الشرير الذى يتحكم فى مصير الشعب المصرى.

أكثر من عام قضاها عمى يوسف فى معتقلات الملك فاروق نظراً لنشاطه السياسى مدافعا عن حق المصريين فى التحرر والعدالة الاجتماعية، فلما جاء عبدالناصر والذين معه آمن بثورة 23 يوليو، وتقدم لخوض انتخابات مجلس الأمة – مجلس الشعب – عام 1964 ممثلاً للعمال فى شبرا الخيمة، وكاد يظفر بمقعد فى البرلمان بعد معركة انتخابية ساخنة!

تزوج عمى يوسف فتاة طيبة من قريته – متعها الله بالصحة ورعى أيامها ولياليها - وأنجب منها خمسة أبناء تمكن من تلقينهم عشق العلم والحكمة وهم بالترتيب: محمد خبير النسيج والصباغة، وجهاد – وهو مهندس ميكانيكا متميز، وصباح طبيبة التحاليل المتفوقة على الدوام، وجمال – وهو مهندس ميكانيكا بارع، وأخيراً المستشار خالد يوسف رئيس مكتب التحكيم فى وزارة العدل.

بالنسبة لى يظل عمى يوسف واحداً من القلائل الذين تعلمت منهم الكثير، فقد كنت أجلس إليه بالساعات أسأل وأستفسر وأتعلم، وكان يتمتع ببال طويل.. وصبر حكيم مصرى قديم، فلم يتأفف من أسئلتى، ولم ينزعج من مناوشاتى.

فى مثل هذه الأيام، وبالتحديد فى 14 أغسطس من عام 1998 رحل عمى يوسف عن دنيانا بعد حياة حافلة بالكفاح والعطاء، فبكيناه بحرقة، صحيح.. نسيت أن أخبرك أن عمى يوسف هو شقيق والدى عبدالفتاح، وهذا الأسبوع تمر 16 عامًا على رحيله، فليرحمه الله.
ألم أقل لك.. إن حكاية عمى يوسف تستحق أن تروى؟ وإذا أردت أن تتأكد.. رجاءً.. اقرأ المقال من أوله!








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة