الرئيس الفنان

هل تخيلت يومًا أن يحكم مصر رئيس فنان؟ رئيس يكتب الشعر أو يرسم أو يعزف الموسيقى ويحرص على مشاهدة السينما، وربما الانغماس فى صناعتها؟ هل تصورت نفسك وأنت تقرأ رواية أبدعها السيد الرئيس، أو تطالع قصيدة من بنات أفكار الرجل الأول فى مصر؟

للأسف.. لم نحظ فى مصر بحاكم فنان على الإطلاق منذ سقوط الدولة الفرعونية قبل أكثر من ألفى عام، وكل الأغراب الذين حكموا مصر كانت علاقتهم بالفنون محدودة للغاية إن لم تكن منعدمة، فالحكام الذين جاءوا من الرومان أو اليونان أو الفرس أو شبه الجزيرة أو الأتراك أو الفرنسيين أو الإنجليز كانوا محرومين من ذلك الحس الفنى الراقى، ولعل القسوة الشديدة التى عامل بها هؤلاء الحكام الأغراب الشعب المصرى خير دليل على افتقادهم هذا الحس الشفيف.

حتى حين وصل إلى السلطة حكام مصريون بدءًا من 23 يوليو 1952، لم يكن بينهم فنان واحد، صحيح أن جمال عبدالناصر كان مثقفًا من طراز فريد، يعشق السينما، والتصوير الفوتوغرافى، ويطرب لسماع أم كلثوم وعبدالوهاب، وصحيح أيضًا أن السادات كان مفتونًا بفنون السينما، لكنهما لم يمارسا الإبداع، ولم يكتبا الشعر أو القصة (دعك من كتاب «البحث عن الذات» الذى نسب إلى السادات، فالأقاويل حول من كتبه له كثيرة ومملة)!

لاحظ أننى لم أتحدث عن مبارك ومرسى، لأن الأول منعدم الصلة كليًا بالفنون والآداب، فهو محروم من نعمة الإحساس بالكلمة الحلوة، والعبارة الرشيقة، والثانى يخاصم الفنون بوصفها حرامًا، وليتك تشاهد آراءه البائسة عن فن الباليه فى المناظرة التى حدثت بينه وبين الشاعر الرائد أحمد عبدالمعطى حجازى عام 2005!

أجل.. نحن فى حاجة ماسة إلى رئيس فنان، ذلك أن الفنان يتمتع بإحساس راق ومشاعر خيرة، فلن يرضيه على الإطلاق أن يسقط نصف المصريين فى مستنقع الفقر والحرمان، بينما حفنة من عدة آلاف تنهب الثروة كلها، ولن يسمح بأن يُهان إنسان أو يُعذّب فى الزنازين أو فى أقسام الشرطة، وستنهشه الحسرة لأن مصر العظيمة – التى يعلم قيمتها ويقدر مجدها الغابر بوصفه فنانًا – صارت فى ذيل الأمم، فسيعمل بهمة على استعادة بهائها القديم، وسيقرر تحرير المصريين من سجن الأمية الأبجدية فى ظرف خمس سنوات على الأكثر، ولأنه فنان، فسيترك لخياله العنان، ليعيد إنشاء مصر على أسس حديثة تواكب العصر، وتشارك فى صنع حضارته.

لقد طرحت فكرة الرئيس الفنان فى حوار سريع مع الشاعر الموهوب الصديق وائل السمرى، لكن بعد أن أنهيت هذا المقال، فتشت فيمن حولى من رجال يطمحون ويتنافسون وتساءلت: هل يمكن أن نحظى برئيس فنان فى المستقبل القريب؟
اترك لفطنتك البحث عن إجابة!