د. عمار على حسن

خرائط الدم والنار... طريق المتطرفين

الخميس، 04 ديسمبر 2014 12:03 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
فى عام 1995 تم ضبط مائة واثنى عشر من الإسلاميين الراديكاليين المصريين فى إيطاليا، كما تم الكشف فى رومانيا عن تنظيم ينتمى إلى «الجهاد» كان يخطط لاغتيال بعض المسؤولين المصريين أثناء زيارتهم لبوخارست. أما فى بولندا فكشفت أجهزة الأمن هناك عن خطة لاغتيال الرئيس مبارك، وجه الاتهام بشأنها إلى عدد من «الراديكاليين الإسلاميين» المقيمين هناك، فى حين أكدت مصادر أمنية وجود أفراد من «الجماعة الإسلامية» و«تنظيم الجهاد» يقيمون فى اليونان بتصاريح عمل وسياحة.

وشهد العام نفسه مسألة مهمة على طريق التعامل مع «العدو البعيد»، حسب التصورات العقدية لبعض الراديكاليين المصريين، وهى ذات صلة وثيقة بالتحول من «المحلية» إلى «العالمية»، لأنها كانت بمثابة «المؤشر الأول على البعد الدولى الذى اكتسبته جماعات العنف». ففى العام المذكور قضت محكمة فيدرالية أمريكية بالسجن مدى الحياة بحق عمر عبدالرحمن و«إسلامى» آخر هو سيد نصير، الذى كان قد حصل على البراءة عام 1990 فى قضية اغتيال الحاخام الإسرائيلى مائير كاهانا. وقضت المحكمة بالسجن لمدد تتراوح بين خمسة وعشرين إلى سبعة وخمسين سنة فى حق ثمانية متهمين آخرين، أغلبهم من المصريين، بعدما أدانتهم بأنهم تورطوا فى مؤامرة التفجير الذى وقع بمركز التجارة العالمى فى نيويورك فى 26/3/1993، والتخطيط لنسف مقر الأمم المتحدة، وجسور وأنفاق مؤدية إلى نيويورك أيضا، والإعداد لاغتيال الرئيس الأسبق حسنى مبارك أثناء زيارته للولايات المتحدة فى العام نفسه. وقد أيدت محكمة الاستئناف عام 1999 الحكم المذكور، واعتبرت المتهمين العشرة قد حصلوا على محاكمة عادلة توافرت لديهم فيها دفاعا قويا.

والأهم من ذلك أن عام 1995 يمثل نهاية «منتصف الرحلة» بالنسبة لسير «الإسلاميين الراديكاليين المصريين» نحو العولمة. ففى العام التالى له استولت حركة طالبان على الحكم فى أفغانستان، وبات الطريق مفتوحا بالنسبة للعناصر التى كانت متواجدة فى السودان واليمن وبعض دول الخليج وأوروبا للعودة إلى أفغانستان، التى تم إعلانها «إمارة إسلامية»، تتفق مع هذه الراديكاليين المصريين والسلفيين العرب والمسلمين بوجه عام فى كثير من تصوراتهم العقدية والفكرية.

وهناك عدة ملاحظات على هذه المرحلة، التى امتدت منذ عام 1992 إلى عام 1996، يمكن أن نوردها فى النقاط التالية:

1 - تمكنت الجماعات الإسلامية الراديكالية المصرية خلال هذه المرحلة من اكتساب مهارات جديدة، أتاحتها «عولمة الاتصالات والمعلومات»، فتمكنوا من صناعة إعلام مضاد لإعلام الدولة من خلال شبكة «الإنترنت»، والفاكس والفيديو والكاسيت، واستخدموا التقنيات الحديثة فى حشد وتعبئة الكوادر التنظيمية، وامتلاك قدرات متطورة نسبيا على تنفيذ عمليات العنف المسلح ضد رموز السلطة ورجال الأمن وكبار الكتاب، واستفادوا من بنية الحداثة القانونية فى الدول الغربية، والتى مكنتهم من الحصول على اللجوء السياسى والإقامة فيها.

2 - أدت المحنة التى تعرض لها «الأفغان العرب»، عقب اندلاع الحرب الأهلية بين فصائل «المجاهدين الأفغان» إلى أن يبذل الراديكاليون الإسلاميون هناك أقصى جهد ممكن فى سبيل توفير حياة آمنة، بعد أن أيقنوا أن عودتهم إلى بلادهم معناها السجن المحقق، بل الإعدام. وكانت ثمرة هذا الجهد تكوين نواة لشبكة عالمية، تمت الاستفادة بها فيما بعد حين أعلن فى منتصف فبراير عام 1998 عن قيام ما تسمى بـ«الجبهة الإسلامية العالمية لجهاد اليهود والصليبيين».

ويبدو أن هذه المحنة قد حققت لتنظيم الجهاد بعض أحلامه القديمة، إذ إنه، وعلى العكس مما أظهرته ممارساته داخل مصر، كان يرى، إلى جانب محاولة تجميع فصائل الحركة الإسلامية الراديكالية فى مصر والتى تتفق معه فكريا وتكتيكيا «ضرورة التنسيق مع جماعات الجهاد فى الدول العربية والإسلامية، وإيجاد صيغ للتنسيق والتعاون مع المراكز الإسلامية فى الدول الأجنبية، وإيجاد صيغ ملائمة للتغلب على مشكلة التمويل، بما يضمن إعادة تشكيل ونشاط الجماعة». وقد اتضح فيما بعد أن أيمن الظواهرى قد شجع فى بداية الثمانينيات بعض أعضاء التنظيم، ومنهم أخوه محمد، على السفر خارج مصر للعمل، على أن يخصصوا جزءا من رواتبهم للتنظيم.

وخلال هذه الفترة ظهرت بوادر على تحول فى تفكير «تنظيم الجهاد»، فبعد أن كان يرى أن جميع عملياته يجب أن توجه ضد عدوه الأساسى وهو النظام المصرى، بدا يعتقد أن أى أرض حل بها، ويوجد فيها من يتصور أنه «حكم غير إسلامى»، وجبت عليه فريضة «الجهاد». فأثناء تواجد قيادات من تنظيم الجهاد فى اليمن، سعوا إلى «ضرب البنية التحتية لليمن، ومن بينها تفجير آبار النفط، ومحطات الكهرباء، وأصدروا منشورا يدعون فيه (الشباب الإسلامى) إلى معاونتهم فى هذا الأمر. وقد كان من مصلحتهم أن تعم الفوضى اليمن، ويتحول إلى جزائر أخرى، بما يسهل إقامتهم هناك، وينحت لهم أدوارا اعتادوا عليها.

3 - شهدت هذه الفترة اهتماما مصريا رسميا بقضية «الإرهاب» بحيث صارت تشكل جزءا ذا بال من السياسة الخارجية المصرية برمتها. وقد أخذ التحرك المصرى لمواجهة «الإرهاب» شكلين، الأول هو العمل فى إطار جماعى، إقليمى ودولى، والثانى هو العمل فى إطار ثنائى، فى المجالين الأمنى والقانونى. فجماعيا استضافت مصر فى إبريل عام 1995 مؤتمر الأمم المتحدة التاسع لمنع الجريمة، والذى شهد مناقشات مطولة حول علاقة الإرهاب السياسى بالجرائم. وفى أكتوبر من العام نفسه، تقدمت مصر بمشروع قرار إلى الأمم المتحدة يتضمن دراسة بند الإرهاب سنويا، بدلا من أن يتم ذلك كل سنتين كما هو متبع، وتنفيذ الإعلان الرئاسى الصادر عن مجلس الأمن عام 1992 بشأن مكافحة الإرهاب، وزيادة درجة التعاون بين الأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة فى الشأن نفسه. وتحركت الدبلوماسية المصرية على مستوى المنظمات الإقليمية، فوضع مؤتمر قمة الدول الإسلامية الذى انعقد بطهران فى ديسمبر عام 1997 المطلب المصرى بمكافحة الإرهاب، على جدول أعماله، وأصدر بيانا يدينه، ويفرق بينه وبين الكفاح المشروع من أجل نيل الاستقلال، وقادت الجهود المصرية إلى إقرار معاهدة منظمة المؤتمر الإسلامى لمكافحة الإرهاب خلال اجتماع الدورة السادسة والعشرين لوزراء خارجية الدول الإسلامية فى بوركينافاسو فى منتصف عام 1999. ووافقت مصر فى عام 2000 على اتفاقية منظمة الوحدة الأفريقية لمنع الإرهاب، التى أقرها مؤتمر رؤساء الدول والحكومات الأفريقية فى يوليو من عام 1999. وبالتوازى مع ذلك بذلت مصر جهدا بالغا فى سبيل وضع استراتيجية عربية لمواجهة الإرهاب، فتقرر إنشاء مكتب للإعلام الأمنى بالقاهرة فى نطاق الأمانة العامة لمجلس وزراء الداخلية العرب، فى حين اتفقت مصر مع تونس والجزائر خلال أعمال الدورة الحادية عشرة للمجلس فى مطلع عام 1994 على خطة أمنية لمكافحة كل أنواع الجرائم، وفى الدورة التى تلتها تم تشكيل لجنة حكومية لمتابعة رؤوس الإرهاب فى الخارج، وقدمت مصر خطة لمكافحة الإرهاب تم إقرارها فى الدورة الثالثة عشرة، وتطورت الجهود إلى حد إقرار «اتفاقية عربية لمكافحة الإرهاب»، خلال اجتماعات الدورة الخامسة عشرة فى يناير عام 1998.

وعلى الصعيد الثنائى سعت مصر إلى عقد اتفاقيات قضائية وأمنية تتيح تبادل المعلومات والخبرات وتسليم المجرمين، سواء الذين صدرت بحقهم أحكام قضائية أو المطلوبين للعدالة. وفى هذا الصدد وقعت مصر اتفاقيات للتعاون الأمنى مع تونس فى يناير 1994 ودولة الإمارات العربية المتحدة فى فبراير 2000، ومع رومانيا فى نوفمبر 1995 وبولندا فى أكتوبر 1996، وكذلك مع كل من المجر واليونان وإيطاليا، ومع باكستان فى مارس 1996.

(ونكمل الأسبوع المقبل إن شاء الله تعالى)








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
التعليقات 4

عدد الردود 0

بواسطة:

الشعب الاصيل

هل تقديرات جهاز المخابرات لدينا عن عدد وقوة الجماعات الاسلاميه خاطئه ولا يعتمد عليها

بدون

عدد الردود 0

بواسطة:

الشعب الاصيل

هل لدينا احصاء دقيق بعدد الاسلاميين واماكن تمركزهم فى كل محافظه ومن اين تاتى قوتهم

بدون

عدد الردود 0

بواسطة:

الشعب الاصيل

ما سر تأخير القصاص وهل ثبت بالفعل تدخل حماس فى الشأن المصرى

بدون

عدد الردود 0

بواسطة:

الشعب الاصيل

كلام السيسى من دهب فمن الذى يمنعه ويعطله ويعيق تنفيذه - من يحاول شدنا للوراء

بدون

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة