الانبا ارميا

"التجرِبة"

الجمعة، 17 يناير 2014 07:05 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
عن الحياة نُكمل الحديث، ففى طريقنا الذى نرتاده عبر الحياة ينبغى أن تكون لنا الرؤية والمعرفة بما يجب أن نقوم به، وبكيفية القيام به.

وسأوضح ما أقصِده من خلال قصة قرأتُها عن دراسة أثارت جدلًا واسعًا فى العالم كله، فقد قام عالم النفس الأمريكى المشهور "فيليب زيمباردو" بتجرِبة نالت صيتًا كبيرًا أطلق عليها اسم "سِجن جامعة ستانفورد". ففى تجرِبته قام عالم النفس بتقسيم مجموعة من طلابه إلى مجموعتين: إحداهما تقوم بلِعْب دَور "مسجونين"، والأخرى تؤدى دور "سجّانين"؛ ومكان تنفيذ هٰذه التجرِبة فى سرداب "جامعة ستانفورد" الذى أُعد للتجرِبة بتقسيمه إلى حجرات منفصلة ليبدو سجنًا.

وقد أجرى "فيليب" التجرِبة بإتقان بأن جعل أحداثها تُحاكى الحقيقة ؛ حتى إن الطلبة لاعبى دَور "المسجونين" قُبض عليهم وقُيدوا وهم فى بيوتهم بأيدى الطلبة "السجّانين" المرتدين ملابس الشرَطة! وقد كانت القاعدة الوحيدة فى اللُّعبة هى أن "لا قيود" فى التجرِبة بالنسبة إلى "السجّانين"؛ فلهم أن يتخذوا المواقف اللازمة بحسب ما يروقهم دون أية مساءلة من أى نوع.

إلا أن نتيجة التجرِبة اعتُبرت كارثة بكل المقاييس والأوجه، وأثارت جدلًا أخلاقيًا عريضًا فى الأوساط العلمية كافة؛ فقد تحوَّل "السجّانون" تحولًا مرعبًا بشعورهم أنهم أكبر من المساءلة مهما فعلوا! وراقب عالم النفس أحداث التجرِبة عبر شاشات المراقبة بقلق شديد؛ وهو يفاجأ بالطلبة "السجّانين" وقد صاروا يتعاملون بخشونة بل بعنف تمادى إلى قيامهم بتعذيب زملائهم "المسجونين"!! والغريب أن من عذَّب كان يُعرف عنه الهدوء والأخلاق الرفيعة والتفوق الدراسى وهو ما سمَح له بالالتحاق بهٰذه الجامعة العريقة!! فما كان من عالم النفس إلا وأن أمر بوقف التجرِبة فورًا مستنتجًا حقيقة صارت تحويها كل مراجع علم النفس الاجتماعىّ؛ وهى أن "السلطة المطْلقة تُخرج أسوأ ما فى النفس البشرية"!

إن المساءلة أو المحاسَبة التى أقصِدها هى مجموعة المبادئ والقيم التى يضعها كل إنسان لنفسه فى طريق حياته؛ ومن خلالها يعرِف كيفية الوصول إلى الأهداف التى ينشُدها.

إن كان وجود أهداف فى طريق حياة الإنسان شيئًا حيويًّا ولا تنازل عنه، إلا أن أهدافًا مِن دون قيم تحدِّد وتضبُط وتصحح طريقة تحقيقها تتحول إلى كوارث!! فعلى مرتادى طريق الحياة أن يُدركوا أنه إن تركوا لأنفسهم العِنان ليفعلوا ما يُريدونه دون قواعد أو مساءلة، فحتمًا سيتغيرون سلبيًّا إلى درجة كبيرة مبتعدين عن إنسانيتهم.

إن قيمنا ومبادئنا نعيش عليها فتساعدنا على حفظ إنسانيتنا وإنسانية كل من حولنا، وتضمن لنا الترقى فى سُلَّم النجاح. يقولون: "الفشل يأتى عندما ننسى المُثل والأهداف والمبادئ التى لدينا فقط". وأيضًا من أجمل العبارات: "إن الناس الذين يهتمون بالامتيازات التى يحصُلون عليها أكثر من اهتمامهم بمبادئهم سرعان ما يفقدون كليهما". وعن الحياة ما زلنا نُبحر ...

* الأسقف العام ورئيس المركز الثقافى القبطى الأرثوذكسىّ.








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
التعليقات 2

عدد الردود 0

بواسطة:

الشعب الاصيل

مقال رائع كالعاده - لا شرعيه لطاغيه او ديكتاتور حتى لو اتى بصناديق العالم ونعوشه

بدون

عدد الردود 0

بواسطة:

صبحى صالح

مصالح

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة