حنان شومان

"المثقف والنساء والسلطة" حكايات من حياتنا ترويها حنان شومان

الثلاثاء، 28 مايو 2013 06:18 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا تظنوا أن الثقافة تحمى أصحابها من سوء أخلاق البشر أو خطاياهم، الثقافة لدى بعض البشر قد تكون مجرد غلالة تخفى قبح طبائعهم أو سوء أقدارهم، وبطل حكايتنا "س" كان من كبار رجال الثقافة فى مصر، كان اسما رنانا ورأيا يشار إليه بالبنان ولكنه كان أضعف ما يكون أمام شيئين لا ثالث لهما النساء والسلطة، وما أدراك ما الضعف أمام النساء والسلطة، فهو ضعف عادة ما يكون مهلكا لصاحبه، وتلك هى النهاية، ولكن دعونى آخذكم إلى البداية لتتعرفوا على جزء من الحكاية، فمهما حكيت لكم أبداً لا تظنوا أنكم عرفتم كل الحكاية لأن الحقيقة دائما ناقصة على الأرض يعرفها فقط رب العزة فهو من سطر لكل منا حياة وحكاية.

تدرج "س" فى التعليم كأى طفل مصرى نابه، ولكنه كان يختلف عن أقرانه أو يتميز عليهم بحبه للقراءة، فقد كان كما يقولون دودة كتب، يقرأ كل ما تقع يده عليه من كلمات مسطورة، وكان يجد منها الكثير، فمصر كانت تموج وهو طفل وشاب بحركة ثقافية كبيرة، كما أنه فى شبابه واكب التغير الأكبر فى خريطة مصر السياسية حين قامت ثورة يولي،و وكان طبيعياً أن يتأثر بها خاصة بالتنظيم الطليعى الذى ضم شباب مصر الحالمين بالثورة وبأفكارها البراقة فى بدايته ولكنه مع الزمن وتقلباته صار يفرخ المنافقين فى أغلب الأحوال والمخدوعين فى أقل الأحوال وكان بطلنا مزيجا من الاثنين.

ألتحق المثقف الشاب النابه الحالم الثورى بكلية الآداب قسم اللغة الإنجليزية، التى رأى أنها الكلية المناسبة لنهمه للاستزادة من الثقافة الأوسع الثقافة الغربية، إضافة لثقافته العربية، وتلك كانت ربما أحد مفاصل التناقض فى شخصه بل فى شخص كثير من أبناء جيله، فبقدر ما كان مؤمناً بالثورة وأفكارها وحربها على الغرب إلا أنه كان يرى فى ثقافة ذات الغرب، الثقافة الأرحب والأشمل فقد كانت علاقة كثير من شباب هذا العصر بالغرب تلخصها عبارة واحدة "الغرب هو العدو ولكنى أتوق للنوم آخر الليل فى أحضانه".

وفى أروقة كلية الآداب جامعة القاهرة التقى الشاب "س" بأول امرأة فى حياته أو بالأحرى بأول حب، زميلة الدراسة والمدرج شابة تتميز بالجسد الرياضى وقوة الشخصية، وهى مثله دودة كتب، ولكن الأهم أنها كانت مبهورة به تعطيه الإحساس بالزهو الذى لم يكن مستنداً حتى هذا الوقت على واقع...أحبها لأسباب كثيرة ولكن ربما ما منحته له من إحساس بالسلطة عليها كان أقوى الأسباب فقد جمع بحبها النساء والسلطة والتجربة الأولى.

تزوج الحبيبان النابهان بعد أيام من تخرجهما وتعيينهما معيدين فى الكلية، وما هى إلا شهور وتصاب مصر بنكستها الكبرى فى67، وكما يصاب حلم أمة فى مقتل يصاب حلم صاحبنا أيضاً فى مقتل، فقد كان يحلم بأن التنظيم الطليعى سيؤمن له مستقبل فبات المستقبل على شفا حفرة يوم أن بدأ تداعى التنظيم وأصحابه بسبب الهزيمة.

وكما فى خطط الحرب قرر بطلنا أن يتجه إلى الخطة باء وهى السفر، وكان لديه اختيار للسفر إما للمعسكر الشرقى روسيا أو للمعسكر الغربى أمريكا، حيث إن المشروع الاشتراكى بدا بالنسبة له مشروعا على وشك التداعى فقد اختار الانحياز للمعسكر الغربى وسافر إلى أمريكا.

وكما كانت مصر تعيش حرب استنزاف وجهاد كان الزوجان يعيشان حياة صعبة فى أمريكا تضطلع فيها الزوجة بدور الجيش ووزير التموين والمالية وأغلب الأدوار من أجل أن يتفرغ الحبيب لنيل درجات علمية ونسيت أنها هى الأخرى عليها أن تحصل العلم وتنال منه، ولكن من قال إن النساء حين تحب وتخلص فى حبها تتذكر إلا الحبيب.

استطاع "س" أن يحصل على الماجستير والدكتوراه فى وقت قياسى بسبب الزوجة النابهة التى عملت مساعدة له ماليا وعلميا وبالتأكيد بسبب ذكائه أيضاً.

عاد "س" إلى مصر وهو يحمل لقب دكتور وزوجة تحمل طفلين ومصر على أعتاب تغيير كبير، فقد مات ناصر ومشروعه الاشتراكى، وجاء السادات بمشروعه الذى كان "س" قد راهن عليه المشروع الأمريكى، فالتقى فكر "س" مع فكر السلطة آنذاك وكان المجال الثقافى فى مصر ممهدا لأن يستقبل الوافد الجديد كنجم فى سماء الثقافة التى كان مطلوبا منها أن تكون أمريكية الهوى فانزوى أصحاب شهادات روسيا وظهر أصحاب شهادات مختومة بختم أمريكا وكان صاحبنا منهم.

عاد "س" إلى الجامعة أستاذا وعادت الزوجة لتعمل بالصحافة بلا درجة علمية إلا البكالوريوس، والتحق الزوج بركب السلطة من خلال اللجان والمؤتمرات وصار نجماً فى سماء الثقافة فمديرة الأعمال الزوجة لم تقصر فى تقديمه واستغلال مهنتها من أجل تلميعه.
وحين بدت الحياة تبتسم كانت الزوجة على موعد مع مرض خبيث ينهش فى عظامها، ولكنها كانت قوية فى مواجهته، كما كانت دائماً ولم تستسلم له إلا حين عرفت أن الحبيب على علاقة بامرأة أخرى تعمل فى الإعلام، وأنه لم يستطع صبراً على مرضها فقبل مرضها كانت تغفر له ضعفه وكثرة علاقاته فهى كانت كأم تعرف عيوب الابن ولكنها لا تملك إلا أن تحبه، إلا هذه المرة فقد سلمت قلاعها للهزيمة ورحلت صامتة.

وبدأت مرحلة جديدة فى حياة "س" برحيل الزوجة، مرحلة تنقل بين النساء والخمر وبين المناصب والتقرب من السلطة التى عادة ما تديرها النساء فى مصر و"س" كان موهوباً فى علاقته بالنساء فاستطاع أن يدعم مكانته بتقربه من زوجة الرئيس التى تدير ملف الثقافة وملفات أخرى من خلف وأمام حجاب.

تنقل "س" من أحضان المرأة التى تعمل فى الإعلام لأخريات فى سن أبنائه ولكن يبدو أن لعنة الزوجة الغائبة كانت تطارده فلم تستمر له علاقة، حتى حين تزوج بفتاة جميلة صغيرة فى سن أبنائه وأنجبت منه أصابها مرض عضال ماتت على إثره وخلفت ورائها طفلة، فقدت أمها وأبوها مشغول بنفسه وبتدعيم أواصر صلته بالسلطة.

ولكن لأن لكل شىء نهاية كما له بداية والسلطة لا أمان لها مهما خدمتها ستلفظك يوما ما، فقد استطاع شاب مغمور ولكنه ذكى استغل "س" ليصل لمفاصل سلطة مصر، زوجة الرئيس، وببساطة أزاح "س" من صدارة المشهد وجلس مكانه فقد كانت مصر تستعد بحرس جديد من أجل ولى عهد، رغم أننا جمهورية وكان ذلك يستلزم تغييرا كثيرا من أدوات السياسة والثقافة ونجومها فصار "س" من رجالات الحرس القديم الذين يُدفعون للخلف ولم تشفع له خدمة السلطة للبقاء فى بؤرة الضوء.

عاش "س" ما بين الظل وقليل من الضوء وكثير من الخمر الذى يعوض به إدمان السلطة والنساء، فالسلطة قد ولى زمانها أما النساء فالعمر والصحة وغياب الأضواء قد غيبهم فهم كالفراشات لا تظهر إلا مع الأضواء، فإن غاب الضوء غابوا وقد غاب.

وعود على بدء فالثقافة لا تحمى أصحابها من سوء أخلاق البشر أو من خطاياهم ولا من مصيرهم و"س" كان مثقفا كبيرا ولكن ضعفه أمام السلطة والنساء صنع نهايته فلم يحمها جمهور.









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة