ناجح إبراهيم

الإندونيسيون يهدوننى جزيرتين

الخميس، 12 ديسمبر 2013 09:02 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
سافرت فى رحلة دعوية إلى إندونيسيا بدعوة من جمعية العلماء الإندونيسيين ووزارة الشؤون الدينية هناك لإقامة منتدى شامل تحت عنوان «الإسلام دين الحوار».. وصحبنى فيها الكاتب الأخ هشام النجار وآخرون من بلاد عربية.

وتتكون إندونيسيا من ثلاث عشرة ألف جزيرة.. وهناك جزر موجودة ليست مأهولة ولا مسكونة حتى الآن.. حتى مزح معى أحد الإندونيسيين قائلاً: إن أردتم أن تأخذوا جزيرة أو اثنتين فليس هناك مشكلة ونحن تحت أمركم.. فقلت فى نفسى: والله فكرة بدلاً من الصراع الدموى الفظيع فى مصر على سلطة تافهة.
وهناك فى إندونيسيا ستمائة وثلاث وعشرون لغة بعضها رسمى والآخر غير رسمى.. وسكان إندونيسيا جاوزوا المائتين والثلاثين مليون نسمة، وقد أذهلنى جمال هذه البلاد وروعتها.. فالخضرة والأشجار المتعانقة والزراعات المتشابكة مد البصر.
وقد سرت بالقطار ست ساعات كاملة لم أر فيها بقعة صفراء.. وأقسم لى الشيخ الأردنى على بن حسن الذى كان معنا أنه زار إندونيسيا خمس عشرة مرة داعيا إلى الله فما رأى غير اللون الأخضر.. وأنه لم ير فى الدنيا مثل إندونيسيا فى تعانق اللون الأخضر من الأشجار والزراعات فى كل البلاد.
وأقسم أنه لولا الأسفلت والمبانى ما رأى سوى الخضرة.. وذلك لسبب بسيط أن الأمطار تنزل طوال العام فى إندونيسيا، ورغم نزول الأمطار فإن المناخ معتدل أو يميل للحرارة.. حتى إننى رأيت بنفسى الأمطار تنزل والجو رائع والناس بملابسهم الصيفية الخفيفة.
حينها تألمت على مصر التى تبلغ مساحة الصحراء فيها خمسة وتسعون بالمائة من مساحة مصر رغم امتلاكها لأعظم الأنهار فى الدنيا والآخرة وهو نهر النيل.
لقد أذهلنى أن قمم الجبال تكسوها الخضرة الرائعة.. وقد ترى شجرة كبيرة نابتة بين الصخور.. حتى قال لى مترجم فى الرحلة: ألق ببذرة فى أى مكان هنا وستأتى بعد سنوات لتراها شجرة عظيمة دون عناء.
وحكى لنا الشيخ على بن حسن الأردنى أن صديقا له اشترى بيتا فعاد بعد عدة سنوات فوجد فيه شجرة عظيمة.
سبحان الله.. ما أجمل هذه البلاد وما أروعها!.. إنك تقطع الطريق الصحراوى فى صعيد مصر فلا ترى فيه شجرة واحدة ولا ظلا ظليلا طبيعيا تستظل به.
وهناك فى إندونيسيا مئات الأنواع من الفاكهة التى لم أرها من قبل.. بل قد تعجب إذا علمت أن هناك ثلاثين صنفا من الموز وحده بعضه قد يبلغ طوله ثلث متر وبعضه صغير فى حجم الإصبع.. وكل الفواكه هناك رخيصة جدا وكذلك الأسماك.
والأراضى الزراعية فى إندونيسيا شاسعة.. ويمكن لأى فلاح إندونيسى أن يذهب إلى أية جزيرة ويزرع ما يشاء فيها.. وبيوت الفلاحين هناك كبيوت الريف الإنجليزى.. ولكن بطريقة أبسط فهى مكونة من طابق واحد مغطى بسقف مائل من الجهتين بالقراميد.
والإندونيسى لا يواجه مشكلة فى حياته فامتلاك بيت سهل جداً.. وهو يزرع أرضه بالأرز الذى هو طعامه الأساسى.. فكل إندونيسى يأكل الأرز فى الإفطار والغداء والعشاء.. ونحن فعلنا فى رحلتنا.. فليس هناك شىء اسمه الفول أو الطعمية أو مشتقاتهما.. ويزرع الفلاح فى أرضه ما يحتاجه أيضاً من الفاكهة والخضروات البسيطة وشجر الموز.
فى إندونيسيا مد البصر لا يكاد ينتهى.. وقد أكلت هناك شيبسى رائعا مصنوعا من الموز بالشطة والبهارات الحارة التى تعد شيئاً أساسياً فى كل بلاد جنوب شرق آسيا.
وكل مواطن إندونيسى لديه موتوسيكل يذهب به إلى عمله.. وقد رأيت فتيات ونساء كثيرات يركبن الموتوسيكل ذاهبات إلى أعمالهن وربما اصطحبن أولادهن.
وقد وجدت أن إندونيسيا تعيش فى سلام اجتماعى ووئام وليست فيها أية مشاكل سياسية أو اجتماعية.. رغم تعدد الأديان واللغات والأعراق.. وقد فسرت ذلك بأن الطبيعة والبيئة ناعمة صافية والخضرة مريحة للنفوس.
ولأن الإندونيسى حياته مستقرة تماماً حيث لا يحتاج كثيراً للدولة فلديه بيته الذى أنشأه فى ساعات قليلة.. ويمكن أن يبنى فى أرضه عدة بيوت.. ولديه طعامه وفاكهته التى يزرعها فى أرضه ووسيلة مواصلاته.
وقد رأيت المئات من راكبى الموتوسيكلات فى كل عدة دقائق وجميعهم يرتدون خوذات الرأس.. فقلت فى نفسى: هذه الشعوب تقدمت علينا لالتزامها بالقوانين واحترامها للنظام العام.. وقارنت بينهم وبين أشباههم فى مصر.. فلم أر واحدا منهم يرتدى الخوذة.. وأكثرهم يخرقون القوانين مما يتسبب فى وقوع حوادث مرورية مميتة.
ورغم أن معظم سكان إندونيسيا من المسلمين فإن الإجازة الرسمية هناك هى الأحد.. كما درجوا عليها أيام الاستعمار.. أما المسلمون فيأخذون راحة من العمل وقت صلاة الجمعة.. ورغم ذلك لم يقم المسلمون هناك الدنيا ولم يقعدوها على هذا الأمر.. ولم يحولوها لقضية تنازع وتناحر طائفى أو صراع دينى من أجل أمر من الممكن تجاوزه تغليبا للمصلحة العامة وتحقيقا للسلم الاجتماعى والأهلى.. مع العلم بأن المسلمين يشكلون حوالى تسعين بالمائة من عدد السكان.
وقد تحدثت مع علماء إندونيسيين تخرجوا فى الأزهر الشريف فى هذا الموضوع فقال لى: ما دمنا نصلى الجمعة وكل الأوقات فى وقتها فليس هناك مشكلة.
قلت: سبحان الله الذى رزق هذا الشعب الطيب الكريم التسامح والصفح والهدوء.. وحرم منه بلادنا الغالية التى تتمزق قلوبنا ألما لأجلها والتى يقيم البعض فيها الدنيا ولا يقعدونها من أجل كلمة.. ويحرقون الأخضر واليابس من أجل سلطة زائلة.
ويؤسفنى أننى وجدت الإندونيسى أكثر حلما وحكمة واحتراماً للآخر من غيره فى بلاد الشرق الأوسط.. فهو ينحنى لك لتحيتك مهما كانت مكانته وشأنه والجميع يقابلك بابتسامة صافية صادقة ملؤها المودة والعرفان سواء يعرفونك أم لا.. والكل إذا قابل الضيف ينحنى انحناءة بسيطة له وهو يضم كلتا يديه إلى الأخرى أمام وجهه فى أدب جم كما يفعل اليابانيون.
هنا الحياة بسيطة جدا والإنسان رائع ومبهر بتسامحه وأناته وحلمه وكرمه وابتسامته الودودة وملامحه المنبسطة المشرقة.
لقد قابلت الكثيرين هنا فلم أر إندونيسيا يرفع صوته أو يغضب بغشم أو يشتم ويلعن ويخون ويتجاوز ويطعن ويسىء الأدب.. فحزنت كثيرا على مصرنا الغالية التى يخنقها اليوم التخوين والإقصاء والتكفير السياسى والدينى واللعائن والشتائم والبذاءات المتدنية التى صارت للأسف الشديد خبزنا اليومى الذى نغمس به كراهيتنا وأحقادنا على بعضنا البعض.
أعدت النظر فى عرض صديقى الإندونيسى عندما قال مازحاً إنه يريد إهدائى جزيرتين من جزر إندونيسيا الكثيرة.. وقلت فى نفسى إن الكثيرين من المصريين فى حاجة لرؤية العالم من حولهم والنظر إلى ما هو أبعد من أسفل أقدامهم.. وربما لو عاشوا هنا لبعض الوقت يدعون إلى الله ويعلمون الناس الذين لا عد لهم ولا حصر هنا أصول الشريعة.. ومن جهة يكتسبون أدب أصحاب البلاد وتواضعهم لتغيروا وتطوروا وصاروا أكثر تواضعاً ورحمة وتسامحا.
وقديما قال الشاعر:
تالله ما ضاقت بلاد بأهلها
ولكن أخلاق الرجال تضيق
وللحديث بقية إن شاء الله








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة