ناصر عراق

ماذا حدث لثورتنا؟

السبت، 18 فبراير 2012 09:50 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
فى مسرحية (مارا/ صاد) للألمانى بيتر فايس، تصرخ الجماهير الفرنسية فى وجه زعيمها جان بول مارا حين لاحظوا أن الثورة التى أشعلوا قناديلها تم خطفها من قبل بقايا النظام القديم وأعوانه... أقول تصرخ الجماهير بغضب ساطع سائلة: (مارا... ماذا حدث لثورتنا؟ مارا... مازلنا فقراء... مارا... اليوم نريد التغييرات الموعودة).

السؤال نفسه يصح طرحه تماماً بشأن ما جرى لثورتنا المصرية التى فجرها شباب مصر الرائع، والتحم معهم غالبية الشعب المقهور، لكن الفارق الرئيس يتمثل فى أن الثورة الفرنسية (1789) كان لها قادة واضحو الملامح، وزعماء يشار لهم بالبنان، ومنهم مارا نفسه الذى تم اغتياله إثر الصراعات الدموية التى صاحبت الثورة وظلت بامتداد عشر سنوات كاملة حتى حسم الجنرال نابليون الأمر، واستولى على السلطة بمفرده مجسداً بامتياز نهم العسكر إلى السلطة السياسية إذا واتتهم الفرصة. بينما ثورتنا المصرية، حُرمت من وجود قادة بارزين على رأس أحزاب سياسية لها برامج محددة تستهدف التغيير الجذرى للأوضاع البائسة التى أوصلنا إليها مبارك ونظامه.

هناك سبب آخر مهم فى نجاح الثورة الفرنسية واستكمال مهامها، بينما تتعثر ثورتنا المصرية، ويتكالب عليها أصحاب المصالح القديمة. هذا السبب يعود إلى أن الشعب فى فرنسا ثار ضد النظام الإقطاعى المتخلف الذى يتصدره حكم (اللواويس) نسبة إلى سلسلة الحكام الطغاة من لويس الأول حتى لويس السادس عشر.

لقد كانت الطبقة الرأسمالية الوليدة آنذاك فى فرنسا تطمح إلى تطوير نفسها، فاصطدمت بجدار الحكم الإقطاعى العنيد، الأمر الذى أدى إلى تكاتف القوى الفكرية والسياسية الحديثة لحشد الجماهير الفرنسية ضد لويس السادس عشر ونظامه الذى أصبح يخاصم العصر وينافى التطور المنشود. وهكذا نجحت الثورة فى فرنسا، على الرغم من الدماء التى سالت أثناء الصراع الحتمى بين أصحاب المصالح المتعارضة.

بينما نحن فى مصر اكتفينا بشعار (الشعب يريد إسقاط النظام) دون أن نحدد ما طبيعة النظام الذى نحلم بتشييده بدلاً من ذلك الذى نريد إسقاطه، ناسين أن الطبقة الرأسمالية التابعة التى تحكمنا منذ أربعين سنة أخبث مما يتخيل أحد، إذ لها ألف وجه ووجه، فلما استشعرت كثافة الغضب الشعبى ضد مبارك وزبانيته، اضطرت إلى إزاحته وعصابته لتخفيف وتيرة هذا الغضب، وقامت بوضع المجلس العسكرى على رأس السلطة السياسية باعتباره الوجه المسلح، والمخيف إذا لزم الأمر، لهذه الطبقة الجشعة والغشوم.

فى جعبتى أدلة كثيرة على ما أقول، منها الاعتداء على الثوار وقتلهم بانتظام منذ عام دون أن تظهر نتائج التحقيقات حتى هذه اللحظة (مسرح البالون/ العباسية/ ماسبيرو/ ميدان التحرير/ مجلس الوزراء/ شارع محمد محمود/ بور سعيد)، الانفلات الأمنى المشبوه، فكيف لسلطة سياسية تحكم منذ عام غير قادرة على ضبط الأمن إلا إذا كان لها هدف ما فى نفس يعقوب! وهو معاقبة المصريين على ثورتهم وإخافتهم بالبلطجية. الإصرار على محاكمة مبارك جنائياً وليس سياسياً والتلكؤ فى ذلك أيضاً. عناد المجلس العسكرى ورفضه التام الأخذ بأى اقتراح جاد لعبور ما يسمى بالمرحلة الانتقالية، وهى تسمية غير صحيحة بالمرة، لأننا لم نعبر مرحلة انتقالية أصلاً، بل مازال نظام مبارك يحكمنا بكل أسف، والمفارقة المحزنة أن كثيراً من وجوه ذلك النظام مازالت على رأس السلطة (المشير/ الجنزورى/ بعض الوزراء مثل السيدة فايزة أبو النجا/ الفريق أحمد شفيق يرشح نفسه للرئاسة بعد موافقة المشير وهو آخر رئيس وزراء لمبارك وأول رئيس وزراء للمجلس العسكرى إلى آخره). بؤس الإعلام الرسمى كما هو، فما زال يشحن الناس ضد الثوار، كما يفعل المجلس العسكرى فى بياناته، ومازال يستخدم الأساليب الرخيصة فى تخويف الناس بأننا إذا لم نرضخ لما يطلبه المجلس العسكرى، فإن مصر مهددة بالتقسيم، وأن هناك من يتربص بالوطن وأن وأن...
كل ذلك كوم، وعدم اتخاذ قرارات سريعة وحاسمة وفورية تنصف ملايين الفقراء كوم آخر، فما زال ذلك الموقف العدوانى من فقراء مصر ثابتًا (عمال/ فلاحين/ موظفين صغار/ عاطلين/ مهمشين)، الأمر الذى يؤكد أن الطبقة إياها مصرة على نهب البلد وسرقة خيرات الناس، وأن الثورة العظيمة لن تغير شيئا مادام (أحمد مثل الحاج أحمد)، ومادام الثوار لم يتمكنوا من تنظيم أنفسهم بصورة أكثر فاعلية.
ما العمل إذن؟
علينا الاعتراف أولاً بأننا أمام صراع طبقى واضح القسمات، فهناك نظام سياسى غليظ القلب يمثل طبقة رأسمالية جشعة تحكم بعدة وجوه مختلفة (المجلس العسكرى حالياً مدعوماً بقادة الجماعات الإسلامية التى دخلت البرلمان)، وهناك فى المقابل غالبية الشعب المصرى يتصدره ثوار حيارى لا يملكون برنامجاً سياسياً واضحاً، ولا ينتظمون فى حزب سياسى يلتف حوله العمال والفلاحون والموظفون والطلاب وكل المضطهدين فى هذا البلد.

لاحظ من فضلك أنه من المستحيل عملياً إجراء مصالحة بين الطرفين، فإما أن تنتصر الطبقة إياها، وتجهض الثورة، وتمتص دماء الفقراء (مازال الجنزورى يؤكد أن سياسة الخصخصة التى خربت بيوت ملايين الناس مستمرة)، وإما أن يحقق البسطاء أحلامهم التاريخية، ويزيحون هذه الطبقة الغبية ويحققون مجتمع العدل والحرية والجمال.

إنه صراع تاريخى شاق وطويل، وإذا كان الشعب الفرنسى الفقير هتف فى وجه مارا منذ قرنين من الزمان صارخاً (ماذا حدث لثورتنا؟)، فعلينا أن نتعظ من دروس الشعوب الأخرى، وننتبه قبل أن ينجح أوباش الطبقة المتجبرة فى اغتيال أحلامنا تماماً، فنلعن حظنا حينئذ ونصرخ يائسين (ماذا حدث لثورتنا؟).








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
التعليقات 5

عدد الردود 0

بواسطة:

الشعب مصدر السلطات

لا تقلق - الثوره المصريه بخير طالما الشعب المصرى يساندها ويدعمها

عدد الردود 0

بواسطة:

الشعب مصدر السلطات

عند الضروره فقط ستجد شعب مصر كله فى التحرير - الموجودون بالتحرير الان ليسوا من الثوار

بدون

عدد الردود 0

بواسطة:

يوسف

الاجابة علي سؤالك ماذا حدث لثورتنا؟

ماتت

عدد الردود 0

بواسطة:

الشعب مصدر السلطات

الى 3 - الشعب لا يموت - الذى سيموت هم اعداء الشعب ولا عزاء لليائسين والمحبطين

بدون

عدد الردود 0

بواسطة:

جمال عبد الناصر

لا أعرف

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة