المصريون لن ينصرفوا

«الثورة تعود لبريقها»، هذا هو أهم دروس الحشود الهائلة فى ميدان التحرير والإسكندرية والسويس يوم الجمعة الماضى.

أهم ما فى ثورة 25 يناير أنها وضعت عموم المصريين فى وضعهم الطبيعى، وهو أنهم أصبحوا طرفا فى تحديد مستقبلهم، فالجماهير انتفضت على كل من نصّب نفسه وكيلاً عنها يتحدث باسمها، وأعطت درسا بليغا لزمرة حاكمة فاسدة، تعاملت بنظرية أنها تعرف الشعب المصرى، كما تعرف كف يدها، هذا الدرس الذى يمكن تلخيصه فى أن المصريين خرجوا من قمقمهم، ولن ينصرفوا مرة أخرى إلا بعد أن يجدوا ثورتهم تقطف ثمارها.

غير أن هناك من يصر على تجاهل هذا الدرس البليغ، والشاهد على ذلك ماحدث بعد الثورة من تباطؤ ملحوظ فى مواجهة العديد من الملفات التى تم فتحها، ولا يعرف أحد إلى أين تسير.
استيقظ المصريون بعد تنحى مبارك على ملفات فساد هائلة، ومن بينها ملف فساد مبارك شخصياً، وحتى الآن لا نعرف مصيره، وقدمت الثورة مئات الشهداء والجرحى، وحتى الآن لا يعرف أحد هل ستتم محاكمة المسؤول الأكبر عن هذه الجريمة أم لا؟، وإذا كان المصريون قد ثاروا على كل ألوان الفساد السياسى، وأسقطوا بعض رموزه بالضربة القاضية، فإنهم أفاقوا على أنه لا تتم محاكمة هؤلاء الرموز بسبب هذا النوع من الفساد، ليس هذا فحسب، بل إن قيادات الصف الثانى من الحزب الوطنى يستعدون الآن لتنظيم صفوفهم من أجل الانتخابات البرلمانية الجديدة فى محافظات مصر المختلفة.

جاءت جمعة «الثورة أولاً» بمثابة انتفاضة جديدة ضد كل الذين ظنوا أن ما حدث فى 25 يناير هو مجرد هبّة جماهيرية، شارك فيها ملايين ثم عادوا إلى بيوتهم، وضد كل الذين يرغبون فى استعادة أسوأ ما فى نظام مبارك، وهو الحديث بـ«الوكالة» عن هذه الجماهير.
جاءت جمعة «الثورة أولاً» لتؤكد أن أى محاولات لطبخة جديدة تقوم على التفريط فى دم الشهداء لن تمر، وأن تجاهل مطالب الثورة الرئيسية فى محاكمة كل المفسدين وعلى رأسهم مبارك، ستؤدى إلى انتفاضات متلاحقة هى بمثابة إعادة النبض من جديد للثورة، وعلى من لا يعى هذا الدرس أن يتذكر جيداً أن الجماهير أصبحت طرفاً ليس بمقدور أحد أن يصرفه بوعود كاذبة.