أكرم القصاص - علا الشافعي

فاطمة ناعوت

شركاءُ فى الوطن

الثلاثاء، 17 مايو 2011 01:03 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
الحوائطُ مهدّمةٌ، الأجزاءُ الراسخة منها سقط عنها الملاطُ فبدت خربةً شوهاء، أخشابٌ متفحمة هنا وهناك، قطعُ الحجارة المنهارة ساقطةٌ فى كل مكان على الأرض الترابية التى كانت مكسوّة بالبلاط قبل أيام، النوافذُ محطّمةٌ، لم يتبق منها إلا شظايا ناتئةٌ تحكى قصةَ العماء الذى فى القلب، لا شىء فيه حياةٌ فى هذا المكان الحزين، سوى صورة لرجل فى منتصف العمر، تعلوها شريطةٌ سوداء، الصورة عُلِّقت حديثًا فى مدخل البناية المهشّمة.

كأننى أشاهد أحد بيوت السويس التى دمرتها إسرائيلُ فى العدوان الثلاثى وحرب الاستنزاف، حين كانت المدرسةُ تأخذنا فى رحلة لكى نتعلّم ماذا فعلت بنا أصابع صهيون القذرة! لكن لمحاتٍ من صور الفيديوهات التى ملأت شاشات التليفزيونية والإنترنت راحت تبرق فى ذهنى، وتذكرنى بأن إسرائيلَ الشريرةَ بريئةٌ من هذا الإثم! ثمة هتافاتٌ تصاحب قنابل المولوتوف ولهب النيران كانت تقول: «بالروح بالدم نفديك يا إسلام!» ما هذا؟ هل يحتاج الإسلامُ تلك الأيادى الملوّثة بالدم للذود عنه؟ وهل هوجِم الإسلامُ لكى يدافع عنه مَن يتسترون بعباءة الدين لكى يُفرغوا طاقات الحقد والشر التى تملأ قلوبهم السود؟ لماذا يستخدم البلطجية المجرمون اسمَ الإسلام للتخريب والتقتيل، بينما أول مبادئ الإسلام وتعريفه: «المسلمُ مَن سَلِم الناسُ من لسانِه ويده»؟ مَن مِن مصلحته تشويه الإسلام وتخريب صورة المسلمين والمصريين أمام العالم؟ مَن يعمل الآن بكل قوته لهدم مصر وتفكيك أوصالها؟ لا يمكن أن أصدق أن مصريًّا يطاوعه قلبُه على هدم منشأة مصرية، بصرف النظر عمّا تكون! ربما يحمل بطاقة مصرية، وجواز سفر مصريًّا، لكنه مع هذا لا ينتمى إلى مصر، ولا تفخر مصرُ بأن ينتمى إليها، مَن أولئك المخربون؟ لمَن باعوا ضمائرهم، وما الجهة التى تموّل أرواحهم الشريرة؟ سؤالٌ يستحقُ التأمل.

كانت رحلةٌ، الخميسَ الماضى، لزيارة مصابى حادث إمبابة، أولئك الراقدين على أسرّة الجراح فى مستشفيات: معهد ناصر، قصر العينى، الساحل، بمبادرة من جماعة «شركاء فى الوطن» التى أشرُف بالانتماء إليها ضمن سكان مدينة الرحاب والتجمع الأول، من مهندسين وأطباء ومحامين وربّات بيوت وموظفين وأزهريين وإعلاميين ورجال دين، مسلمين ومسيحيين، بدأنا الرحلةَ بزيارة دار العبادة المنكوبة، «كنيسة السيدة العذراء» بإمبابة، لكى نشاهد على الطبيعة ما لم تستطع كل وسائط الميديا الإعلامية نقله من تخريب وأهوال، وقفتُ مذهولة مما أرى، ولا أصدق أننى أقفُ على أرض مصر، لابد أننى فى غزة! فأين تقفُ إسرائيل؟!

فى غرفة 735 بمعهد ناصر، مات أمس الأول شهيدان مصريان، مسلمٌ ومسيحىٌّ، على سريرين متجاورين، ستجمعهما السماءُ على الحبّ حين أخفقت الأرضُ فى جمعهما إلا على الاقتتال! السريران الشاغران يرقد عليهما الآن شابان مثخنان بالجراح، محمد السيد محمد، 17 عامًا، راح يحدثنى عن صديق عمره «رومانى» والذى تربّى معه كأنه أخوه، يحمل كلٌّ منهما سرَّ صاحبه، وقلبه.. حكى لنا عن الشيخ والقسّ اللذين تعاونا معًا على حمله إلى سيارة الإسعاف بعدما ضربته ثلاث رصاصات أعجزت ساقيه، ثم باغته خرطوشٌ مزّق ذراعه اليسرى فحملها بيمناه تتدلى من كتفه، قبل أن يفقد الوعى ليفيق على سرير المستشفى بين دموع أمه وأخوته، وجهاز حديدى مربوط فى ساعده يحاول أن يثبّت الذراع المبتورة فى الجسد النحيل المنهك، تحامل محمد على أوجاعه وراح يحكى لنا عن مصر وترابط أبنائها مسلمين وأقباطًا وقد اتفق معى أن ما يحدث الآن ليس مّنا ولسنا منه. نعم، شرارةُ الثورة اشتعلت فى تونس وانطلقت منها إلى مصر، لكن مصرَ وثورتها هى النموذج المُلهِمُ التى يراقبه العالم أجمع، وتترقبه كل الدول العربية الأخرى، الحكّام العرب الطغاة يتأملون بوجل، لحظةً بلحظة، ما يجرى على أرض مصر، وأياديهم على قلوبهم، خوفًا وهلعًا. إن نجحت ثورتنا، كما نرجو ونتمنى، ستسرى كالنار فى الهشيم فى كل البلدان العربية، وإن أخفقتْ، لا قدّر اللهُ ولا سمح، كما يتمنون هم، سوف يطمئنون على كراسيهم إلى الأبد، لذلك تغذّى بعض البلدان النفطية الثرية أولئك البلطجية بالمال والعتاد والخطط لكى يثيروا الفتن فى مصر والقلائل والاقتتالات، فيقول الحكام لشعوبهم: «انظروا ماذا تفعل الثورات فى الشعوب؟ الشعب المصرىُّ يأكل بعضه البعض، اِبقونا على كراسينا أفضل لكم!».

أما الصورة المعلّقة على جدار الطلل فتخصّ الشهيد صلاح عزيز، 47 عامًا، حارس الكنيسة، الذى أثبت تقرير التشريح الخاص به أنه تعرّض للذبح ثم الحرق حتى تفحم جسده. تاركًا وراءه ثلاثة أبناء، أعمارهم: 16-13-5.

الحكاية لم تعد حكاية «مسلم ومسيحى» وفتنة طائفية ومشاحنات عقائدية، الحكاية الآن حكاية «مصرىٌّ وعميل». حكاية وطن يحترق بأيدى أبنائه، أو مَن يزعمون أنهم أبناؤه، لذلك أناشدُ كلّ أبناء بلدى العظيم مصر، أن نكون يدًا واحدًة تبطشُ بأعداء الوطن، قائلين فى صوت واحد: نحن، أبناء مصرَ، نلفظكم ولا نريدكم بيننا أيها المخربون! نحن بريئون منكم، والإسلامُ برىءٌ مما تصنعون، وعلى المشرّع أن يعمل على سحب الجنسية المصرية من أى مخرّب يعمل على تقويض الوطن. يا أبناء مصرَ، مصرُ الآن فى حاجة إلينا جميعًا.








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة