ناصر عراق

غرام وانتقام فى إمبابة!

الجمعة، 13 مايو 2011 07:19 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
إذا صحت التقارير التى تحدثت عن أن فتنة إمبابة التى راح ضحيتها الجمعة الماضية 13 قتيلاً (7 مسلمين، و6 مسيحيين و200 جريح تقريباً) يقف وراءها غرام مشبوب بين فتاة قبطية أشهرت إسلامها، من أجل عيون شاب مسلم، فاعلم أننا نحن المصريين لم نتخلص بعد من التسرع والانفعال، فضلاً عن التربص بالآخر، على الرغم من أن الثورة المصرية المجيدة التى حققناها بنجاح كبير تستلزم منا أن نتريث ونتأمل ونتخلص من طريقة التفكير القديمة والعقيمة التى غرزها فى عقولنا النظام الساقط بامتداد أكثر من ثلاثين عاماً.

لماذا؟

لأن الأمر لم يكن يستلزم أن (تزدان) شوارع إمبابة بجثث القتلى الملقاة على الأرصفة، فمشكلات القلوب لا يمكن حلها بالذبح والإبادة والعدوان على الأماكن المقدسة. كما أن ما علاقة سيدة أحبت وخفق قلبها بحرق كنيسة، حتى لو زعم أحدهم أنهم اختطفوها وأخفوها داخل هذه الكنيسة؟

وفقاً لما تقوله التقارير أيضاً، فإن التحقيقات الأولية أثبتت أن هناك تاجراً قبطياً من أنصار الحزب الوطنى المنحل هو أول من أطلق الرصاص فى هذه الكارثة، بعد أن قام بتحريض الناس على العنف. والسؤال: إذا كانت هذه التقارير صحيحة، فكيف يمكن أن نفسر استجابة الناس (مسلمين ومسيحيين) بهذه السرعة إلى تحريض الرجل والسير خلف (فتواه) بكل سهولة؟

إذا سألتنى الرأى سأحدد لك أربع ملاحظات رئيسية أظن أنها كانت وراء مصيبة إمبابة:
الأولى: إن كثيراً منا، للأسف الشديد، ينساق وراء عواطفه، من دون أن يراجع عقله ليتبصر الأمور ويحللها.

الثانية: إن منطقة إمبابة تغلى منذ سنين طويلة بالفقر والبطالة وسوء الخدمات بسبب الإهمال الذى لحق بها، وبغيرها، من قبل النظام البائس لحسنى مبارك. وأنت تعرف أن التطرف الفكرى والسلوكى والاحتشاد الطائفى المرذول، كل ذلك مرتبط بشكل وثيق بالفقر والتكتل السكانى وانتشار البطالة وغياب الخدمات.

الثالثة: إن نجاحنا فى إسقاط النظام المستبد، لم يعقبه حتى هذه اللحظة تشييد نظام آخر مستقر وديمقراطى وعادل، فأجهزة الدولة ما زالت رخوة، وقبضة الذين يحكمون ويديرون البلد مازالت لينة، وهو أمر مفهوم ومعروف وطبيعى عموماً بعد سقوط الأنظمة. الأمر الذى يشجع فلول النظام القديم وأنصاره، وهم كثر، على الاستخفاف بالدولة والقانون والتطاول عليهما، لعل وعسى تعود العجلة إلى الوراء، فيستعيدوا ما خسروه، وهو أيضاً كثير!

الرابعة: إن الاحتقان بين المسلمين والمسيحيين لم يعالج حتى هذه اللحظة بما يليق بالوطن. صحيح أن الثورة أذابت هذا الاحتقان وأخفته مؤقتاً، نظراً لجسامة المهمة التى كانت ملقاة على جميع طبقات المجتمع وشرائحه والمتمثلة فى إسقاط النظام، إلا أن أسباب الاحتقان ما زالت قائمة، خاصة وأن النظام المخلوع كان يتفنن فى إشعال جذوته وإبقائها عند حد معين ليلهينا (مسلمين ومسيحيين) بهذه المشكلة ويتفرغ هو لنهب خيرات البلد وسرقتها.

حسناً.. إذا كانت هذه الملاحظات صحيحة، وأظن أنها صحيحة، فما العمل؟
فى جعبتى عدة اقتراحات أرجو أن يتسع صدرك لمناقشتها:
الأول: يجب إعادة الاعتبار فوراً لهيبة الدولة وسلطتها، وعلى المجلس العسكرى والحكومة أن يسارعا بفرض هذه الهيبة وتلك السلطة، من دون التعدى على الحريات السياسية والعامة التى اكتسبناها بأرواح الشهداء وبشق الأنفس.

الثانى: ينبغى إعمال القانون وتطبيقه على الجميع وبحسم، فليس معقولاً أن يقوم نفر بقطع أذن رجل دون عقاب، أو قطع السكة الحديدية دون أن يحاكموا، أو يتجرأ جماعة من الناس فيحاصروا الكاتدرائية دون أن يقدموا إلى المحاكمة بتهمة الاعتداء على أقدس أماكن أخوتنا الأقباط!
الثالث: الإسراع فوراً فى عقد مؤتمر مشترك لكل القوى الوطنية (يشارك فيه ممثلو الأزهر الشريف والكنيسة المصرية) لوضع تصور واضح ومحدد لإزالة الأسباب التى تدعو إلى اتقاد نيران الاحتقان بسهولة بين المسلمين والأقباط، مع الأخذ فى الاعتبار أن على الأغلبية واجبات أكبر تحتم عليها أن تحتضن أشقاءنا فى الوطن بكل محبة.

الرابع: العمل على استعادة روح الثورة المجيدة التى وحدت الشعب كله، من خلال تنظيم المظاهرات المليونية فى أيام الإجازات فى كافة الميادين التى ارتوت بدماء المصريين (مسلمين وأقباط)، ذلك أن الاحتشاد الجماهيرى يقضى على بكتيريا التشرذم والتخندق حول الذات والطائفة والدين، لأن الوطن أولى من كل شىء.

الخامس: يجب وضع خطة ثقافية وإعلامية عاجلة حتى يستعيد المصريون عافيتهم العقلية التى كانت تزن الأمور بميزان حساس قبل الشروع فى أى فعل.

باختصار علينا إعادة الاعتبار لدور العقل، فليس من المنطقى أن يقتل الناس لأن فلانة أحبت رجلاً ما، أو بدّلت دينها، أو لأن فلاناً عشق امرأة فاتنة وهجر أهله وملته. فالغرام لا يستدعى كل هذا الانتقام الذى لطخ شوارع إمبابة بالدم إلا إذا غاب العقل فقط!








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة